
كثيرا ما نردد كلمات الاعجاب بأشياء تسرنا وتتفق مع احساسنا ، ونتطرق الى الحديث عن الذوق في الالوان وتناسقها . غير أن تأثر الناس بالمفاهيم الجمالية لا يشكل وحدة ذوق خاصة ، بل انصهارا متكاملا ينمو ويترعرع مع البيئة الاجتماعية التي نعيشها .
اما الجمالية في الاشياء فيجب ان تجمع الحاجة اليها والانسجام مع المفاهيم الفردية ، وهذا ما يجب ان يقال قبل تفسير مسألة الرخص وعلاقاتها بالسلع المستهلكة التي تملأ أسواقنا يوماً بعد يوم .
قبل بضعة شهور نشرت مقالة صغيرة في احدى الصحف ، ينتقد صاحبها بأسلوب لاذع الظواهر السيئة التي تميز انتاج السلع المحلية المزخرفة والملونة بأساليب مزعجة ، ويصفها أنها مضرة تسيء الى المستوى الجمالي الذي يتمتع به الكثيرون . ويقول ان زهور الشمع الشاحبة صارت تحتل مكان حديقة زهور طبيعية .
ويتساءل : كيف يمكن أن يحل الكيتش مكان الجودة الفنية والابداع
وهذه الظواهر لم تظهر فجأة على المسرح الواسع وهذا الاتجاه بطبيعته عدو للفن الاصيل عدو العمل الابداعي . غير ان هذا الاتجاه من التقليد الفني ظهر مع بدء تطور الصناعة وتطور البرجوازية في أوروبا في القرن الثامن عشر وقد اطلق عليه اسم « كيتش » لانه يخلو من الابداع والخلق والمعاني والسمات الجمالية والذوق
وكان لهذا الاتجاه أن يتطور لان البرجوازية مدت في عمره ، لانه وسيلة من وسائل الربح ، ولا بد من ادخال التكنيك وادخال عناصر توحي بالجمالية في خداع وبلبلة الذوق السليم ، ليمكن الترويج له في الاساس بين الجماهير الواسعة

.
وكان هذا الاتجاه المدعو « فناً » ، ولا يزال وسيلة في ايديهم المحاربة الاتجاهات الفنية الاخرى ومحاسبة الفن الشعبي بتقاليد الشعب وطموحه نحو حياة افضل ، الفن الذي يعتمد على التعبير الجمالي الصادق عند الطبقات الكادحة . وليس من قبيل الصدف أن ترتكز ايديولوجية البرجوازية على الربح الطائل والاستغلال ان مبدا ( الخبز واللهو » أو الخبز والضحك والاسلوب السينمائي عن « الحياة الحلوة » لم يكن صدفة ، في وجه النقمة العمالية ، وعدم الرضا . المهم عندهم اظهار كل شيء براقاً مذهبا مضيئا ، للتخفيف من حدة النقمة الجماهيرية ، والمهم ايضا تخدير الذوق وتمييعه وللكيتش في بلادنا طابع التوجيه ولا سيما في الناحية الاعلامية المضالمة ، ولا سيما في انتاج ادوات التزيين والهدايا ( السوفنير )
لذلك فالاتجاه العام في الحوانيت التي تبيع الهدايا في بلادنا الا تجد أي عمل ابداعي خالص ، فالذي يميز الكيتش ظهور صور الزعماء والقادة على صحون الخشب والنحاس الى جانب صور تتفق والسياسة العامة التي تعرقل المساعى المبذولة لاجل السلام ، ونحرض على الكراهية والعنصرية
كما تجد ذلك بطاقات التهنئة بالمناسبات … بالاضافة الى الصور التي تضيئها البطاريات من صنع ايطاليا واليابان ، او الصور التي تضيء بأشعة ورق الجلاتين ..
اما في بيوت الاغنياء فلا اثر لهذا النوع من الزينة فأصحابها يبحثون عن ( انتيكة » العصور الوسط والتحف الاثرية … المأخوذة من الخرائب المنسية .. أما الكيتش فللكادحين .. أليس كذلك !
بقلم: أبو أمير
Source: Al Ittihad newspaper










