الواقعية في الفيلم المصري

صدر في الالمانية كتاب « واقعية القيام المصرى » للباحثة الالمانية اريكاريتشتر . ولقد بذلت جهدا غير عادي لوضع الكتاب فلقد درست العربية واللهجة المصرية بشكل خاص تم عمدت الى مشاهدة الافلام المصرية القديمة والجديدة ، وقابلت العديد من المخرجين والممثلين القدماء والمعاصرين
وجمعت ما كتب عن السينما المصرية من مقالات واخبار وتعليقات ونقد . حتى تجمع لديها من المواد ما يكفى

المجلدات . غير أنها في كتابها كثفت تلك المعلومات لتملأ منتى صفحة من القطع الصغير فقط و أريكاريتشتر اشتراكية التفكير ، ونظرتها الى الفن أنه في خدمة المجتمع. اذلك لم يكن كتابها مجرد عرض لتاريخ السينما المصرية ونجومها ومخرجيها بل وضعت فيه أفكارها . لتصل الى خلاصة أن السينما المصرية بعد نصف قرن من الخبرة والتجربة لا تزال في الغالب تتردى في مندر الاسفاف والكذب على الواقع . فمصر كانت من أول بلاد العلام التي عرفت السينما . وتورد المؤلفة حقيقة عن أن رواد مقهى زواني في الاسكندرية في كانون الثاني ١٨٩٦
شاهدوا عرضا سينمائيا تجاريا بعد اسبوع واحد من عرضه في جراند كافيه » في شارع كابوسين )) في باريس . أي في زمن لم يعرف قسم
كبير من أوروبا وأمريكا الجنوبية شيئا عن هذا الاختراع « السحرى » . ومع هذا – تقول المؤلفة – لو قارنا الانتاج المصرى السينمائي مع انتاج الدول التي عرفته متأخرة عن مصر نرى أن المقارنة ليست في صالح مصر . وتضيف المؤلفة مستشهدة بقول الناقد المصرى سعد الذين توفيق أن ثلاث ممثلات مصريات قمن بإخراج أفلامهن بانفسهن وهن عزيزة أمير وفاطمة رشدی و آسیا داغر ، بينما لم تعرف السينما العالمية مخرجة الا في
الاربعينات . وهذا سبق لمصر

وتنقل أريكاريتشتر قول المخرج الايطالي الكبير فريدريكو فليني : الفن السينمائي هو شكل من أشكال التعبير الغنى . وفي معظم الاحيان تخلق السينما شكلا محددا يخضع المشاهد من خلاله لما يراه على الشاشة . لذا اعتبر السينما نوعا من العنف موجها نحو امكانات الاستقبال الفنى عند المشاهد ، أي أنها لا تترك له أي امكان التأمل ، الامر الذي يتاح للمرء عادة عندما يقرأ كتابا أو يشاهد أعمالا تشكيلية ، وهذا هو العنف الحقيقي . فصانع الفيلم يتعلق مشاعر المشاهد وغرائزه وعضلاته طول العرض. وكان على المتفرج أن يشغل كل أجهزته الا « عقله » وصانع الفيلم يتصور أن تشغيل عقل المشاهد سيجعله يتململ في مقعده ، بل يجعله يولى هاربا من القاعة . وبمرور الوقت تحول الفن السينمائي الى من سهل مربع ومحدد ، وأصبح قنبلة تنسف كل القدرات الذهنية في المتفرج وبمرور الوقت أصبح تقديم العمل السينمائي الذي يحتاج لمشاهدته استعادة القدرات الذهنية عملا مرفوضا
عملا صعبا فهو والحالة هذه يصبح وتنطلق المؤلفة من هذا القول الى نظرية بسيطة لتفسر انهيار السينما وانحدارها في أي مجتمع فتقول : السينما صناعة والفيلم سلعة . و النظام الاجتماعي الذي توجد في ظله السينما يكون هذه المعادلة ويفرضها ويدافع عنها وعن سيادتها . فالنظام هو الذي
يجعل الفنان صانع الفيلم تاجرا ويجعل دار العرض حانوت البوتيك بدلا من أن تكون « اتيليه » . وتقول بعد ذلك صحيح أن الفيلم هو ما

صباع والجمهور هو المشترى . ولكن الجمهور مع مور المزمن يتحول الى سلعة تباع وتشترى مثل المخدرات التي يشتريها المرء كسلعة ، وبعد أن يدمن عليها يصبح عبدا لها ولمن يروجون لها وهكذا تصبح المجادلة الجادة لتقديم فيلم جاد و واقعی ضربا من ضروب الخرافة والجنون والجمهور الذي يقبل على مشاهدة الفيلم الجاد الواقعي ما هو الا جمهور مسطول )) أما اذا شاهده المثقفون فسيكون الأمر عملية نرجسية )) (1) يمارسها البعض في عزلة عن الواقع الاجتماعي بكل تضاريسه وعيوبه . وتقول اريكاريتشتر أن حل هذه المعادلة الصعبة يقع في عدد ضئيل من الكلمات : (( تغير
نظرة وفلسفة الدولة للسينما .. ولا سيما في الدول النامية والفقيرة . وتشير المؤلفة الى تعدد ما يقال عند في تعريف ( السينما » بعضهم صناعة وعند آخرين صناعة وفن .. أو لغة للتعبير عن الافكار والاحاسيس الجمالية . وعند البعض وسيلة من وسائل الاعلام والاتصال أو وسيلة للتسلية والمتعة ، وينكر البعض ذلك فهى عندهم وسيلة انشر الوعى والثقافة ، ويجب الا تكون وسيلة للمتعة واتسلية لانها ستكون وسيلة لتخدير عقول الجماهير ..
وتؤكد ريتشتر صحة هذه التعريفات على الرغم من تضاربها . وهي صحيحة بقدر ما هي عامة التفاصيل بعيدة عن واذا خضنا في التفاصيل نجد أن نظرة المجتمع تحسم في هذا التضارب

أما في مصر فالمجتمع ينظر اليها منذ منذ بدايتها على أنها صناعة عام ١٩٢٧ . وكان يمولها تجـــار اسكائر والاجبان الاجنبية والخمور
كانت صناعة في أيدى تجار أجانب وتتحدث عن دور طلعت حرب باشا الرأسمالي الذكي الذي أنشأ بنك مصر . وفى ١٩٣٥ أنشأ ستوديو مصر .. والفارق بين المرحلة السابقة والثانية هو أن العاملين في حقل صناعة السينما أصبحوا مصريين أما مفهوم السينما فلم يتغير أما عن الاعلام فقالت ان معظمها . كان محشوا بالاغنيات ، ويدور حول موضوع أو موضوعين أو ثلاثة على الاكثر ابن ذوات » يحب فقيرة المجتمع يتدخل ليضع حاجزا بينهما او ابن أغنياء يقع في غرام راقصة أوروبية لعوب ويتدخل المجتمع ليتحداهما .. وتستعرض أسماء الافلام ( أولاد الذوات » ليوسف وهبي أو انشودة الفؤاد » لجورج أبيض أو ( الوردة البيضاء » المقتبس عن غادة الكاميليا … و (( الضحايا 🙂 العزيزة أمير أو ( الزواج » لفاطمة
رشدی ما هي الواقعية في الفيلم ؟
وتتحدث أريكا ريتشتر من الفيلم الواقعي فتطرح رابين : الرأى الإيطالي بعد الحرب العالمية الثانية ، والرأى الاشتراكي . فتقول ان الواقعية
الإيطالية التزمت بحرفية الشكل بكل ما فيه من قسوة وقبح وجمال فالواقعية الإيطالية تنحصر في معادلة ترد عناصر العمل السينمائي ( القصة والديكور والممثل ) إلى الواقع الحقيقي المحسوس . بينما المدرسة الاشتراكية تعتمد العلاقة السببية بين الفن و المجتمع فتؤكد أن أساس الواقعية في السينما هو موضوع العمل السينمائي ومحاولته تحطيم الواقع الاجتماعي وطرح واقع أفضل وهكذا ، وحسب رأى المؤلفة ، فالحكم على واقعية أي فيلم سينمائي يحدده مدى اجابته على أسئلة تتعلق بالطبقة العاملة والطبقات الفقيرة والتحرر الاجتماعي وبتصديه للارهاب والحكم العسكري وتقول أريكا ريشتر : أن الفيلم المصرى لم يقترب من مرحلة الواقعية الا في نهاية ما أسمته بمرحلة ستوديو مصر أي في أواسط الاربعينات عندما قدم رائد الواقعية في السينما المصرية كمال سليم فيلم ( العزيمة ) وسار على منواله كامل التلمساني في فيلم ( السوق السوداء » الذي عالج بجرأة جشع التجار وتلاعبهم واتجارهم بأقوات الناس وتقول عن كامل التلمساني انه وضع في الفيلم كل الجهود الفنية وأدوات العمل الفنى ولكنه لم يحقق نجاحا يذكر ، الامر الذي جعله ينطوى على نفسه ، ويختفى عن الانظار ، مدة طويلة عاد بعدها ليرضى ذوق ( جشع أصحاب السوق السوداء الذين حاربهم من قبل فقدم عملا هابطا . ومن الحقائق اتى توردها الكاتبة أن المعادلة الدرامية في الفيلم المصرى تقوم على توازن اخلاقی و اجتماعی غريب جدا . الفقراء طيبون جدا والاغنياء أشرار … الفقراء يتمتعون بحياتهم لانهم بلا مال والمال أصل الشرور والاغنياء مصابون بلعنة المال ومصائبه .. بمعنى آخر القناعة كنز لا يفني وكانت اغنية عبد الوهاب : ( محلاها عيشة الفلاح مطمن وقلبه مرتاح » الاساس الدرامي الرسمه شخصية الفلاح المصرى
لكن كمال سليم في (( العزيمة )) والتلمساني في ( السوق السوداء ) وأحمد كامل مرسى في « النائب العام » عملا لتغيير هذه المعادلة ونسفها
هذا وتستعرض الكاتبة مراحل تطور السينما المصرية في مجال الواقعية ، وتعرض الشخصيات برزت في القيام المصرى


لنرجسية » اعجاب المرء بنفسه و افتتانه بها ، وهي في علم الجنس شذوذ جنسي فيه يعشق المرء ذاته .

source

Let your voice be heard! Share your thoughts and ignite the conversation. Your comments matter!

المشاركات الاخيرة

الخريطة التفاعلية لأعمال عبد عابدي الفنية في الفضاء العام
يوليو 28, 2025By
من عام 1962 حتى اليوم: إطلاق مكتبة عبد عابدي الإلكترونية وأبرز المحطات الإعلامية
يوليو 16, 2025By
المبدع الفلسطيني عبد عابدي..حاملًا ربيع الفن التشكيلي
يوليو 9, 2025By
دعوة لحضور حفل افتتاح المعرض Heartache מועקה ُو َجع
يوليو 1, 2025By
إقبال على معرض الفنان الفلسطيني عبد عابدي
مايو 20, 2024By
الفنان عبد عابدي… يروي حكاية حيفا في ذكرى احتلالها
أبريل 29, 2024By
لا يوجد هناك مكان: معرض في متحف الفن الحديث في فرانكفورت
مارس 25, 2024By
دعوة: أصوات من مشروع المقابلات “الفن في الشبكات” يوم 21 مارس في الألبرتينوم
مارس 18, 2024By
أصداء البلدان الشقيقة / بيت الثقافات العالمية في برلين
فبراير 10, 2024By
“على هذه الأرض” يجمع الفنانين العرب حول فلسطين
نوفمبر 27, 2023By

الأعمال الأخيرة

GDPR

اكتشاف المزيد من عبد عابدي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading