افتتح في الأسبوع الماضي وفي دار الثقافة التابع البلدية عكا معرض الفنان الشاب وليد قشاش ( ١٩ سنة ) بحضور جمهور واسع شمل المسؤولين وأعضاء البلدية بينهم العضوان الشيوعيان رمزي خوري ومحمود أبو شنب وكذلك قاضي عكا وحيفا الشرعي الشيخ محمد حبيشي وافتتح المعرض رئيس بلدية عكا السيد دورون الذي أشاد بأعمال هذا الفنان الشاب وتطرق الى ( المحاولات »التي يسعى من أجلها المسؤولون فى قسم الشبيبة والثقافة لرفع مستوى الحياة الثقافية في المدينة
وتكلم عضو البلدية رمزي خوري معقباً على أقوال رئيس البلدية بضرورة السعي الجاد والسريع في تبنى المواهب الشابة ومساعدتها وفتح المجال أمام مواطني عكا العرب واليهود للمشاركة في تطوير بلدهم السياحي ، وإيجاد المكان الملائم لعمل الفنانين الشباب الذين يعملون في ظروف
صعبة وفي ( أكشاك ) لا يدخلها النور ! هذا وزار المعرض الرسام عبد عابدي وكتب لنا بعض الانطباعات والملاحظات عن معرض وليد قشاش .
للحقيقة أقول أن كل فرصة تتاح لي لزيارة مدينة عكا أتذكر الرسام الفلسطيني ابن الأسوار والتاريخ عكا … ابراهيم هزيمة الذي اجبر على التغرب عن هذه المدينة التي عشقها .. ولا يزال .. عاشقها هذه المدينة التي كان ( فنارها » – ولا يزال – يبعث الضوء الى البحارة والصيادين الغائصين فى زوارقهم الخفيفة ، والمرتجفة بين أمواج البحر الطامية . وكلما نظرت الى لوحات ابراهيم هزيمة ، المستوحاة من فلكلور عكا وابنيتها الرطبة ، ومن ( مزاراتها » وأيام شم النسيم فى ضاحية سكة الحديد ، فى لوحات الصيادين ، في لون بشره خمرية وقمحية وسواعد قوية تشد القوارب الى الميناء ، في لوحة نقطة الجمارك القديمة التي تعترض. تقدم الامواج عبثا . عكا .. ومجموعة الذكريات هذه ، والتي انطبع قسم
منها على مساحات القماش المشدود أو منها التي تبقت في الرؤية البعيدة السعيدة ، تذكرني بالطابع المحلى للرسامين العكيين الشبان ووليد قشاش بينهم هذا الشكل من التصور فى ضخامة السور المطبق على الارض ، وهذا الانسان الذي يخرج من بين البيوت ماردا يفكك عقد الجبل ، العقد التي لا نهاية لها ، وهذه قبة السماء .. عميقة وزرقاء لا يفصلها عن البحر سوى شعرة غير مرئية . وتمر بهدوء وتنظر فى تواضع الى لوحات هذا
الشاب الذى يقف أمام الجمهور لأول مرة ، قد تفهم تفسيراته المتواضعة في فلسفة الحياة تارة وقد تحاول أنت تفسيرها من خلال الاشكال الادمية المرسومة بتواضع تارة اخرى ، ومن خلال تجربة ذاتية دون دراسة ، لكنك تفهمها عندما تكون التجربة هى مشاكل وقضايا الانسان العربي داخل
أسوار عكا .. وخارجها .. هي المصدر نفسه . وقد يكون هذا المصدر غير المرئى أحيانا هو السبب في زيارة أحد ما للسور المغلق المحكم داخل السور الكبير الذي اسمه المارستان » . غير أن البحث عن الحقيقة ودوافع المطالب العادلة ، والرؤية الصحيحة التي يتمتع بها هذا الرسام الشاب تجعلك قريبا الى لوحاته التي قد تصل ، ان جد ، الى تلاحم الشكل والمضمون اللذان هما الركيزة الاساسية والفلسفة المتواضعة ، لكنها العميقة
في فهم الحبكة والعقدة وعلامات السؤال الصغيرة منها والكبيرة في فهم الحياة التي تدور بنا ونحن ندور فيها ..
أما عن الفارق بين رسام النزوح ابراهيم هزيمة وأولاد بلدته .. فهو أن الذكريات التي ضاعت ولم تتبق منها سوى لمسات ، وتخطيطات لونية لفلكلور عامر في شكل سكة الحديد وأيام شم النسيم وبائع ( البوظة » في الاعياد ،وصراخ الاطفال في ناحية الفاخورة ، وعمارة الجمارك المتداعية ، في رقصات المنشدين على ايقاع الموشحات . هذه الذكريات تحولت الى واقع آخر هذا الواقع الذي استمد الفنان الشاب منه منه والذي ، ولدعابة
القدر ، يعمل مع أبيه فى صناعة الحلويات الشرقية وتذويب السكر الذي تحول الى لون أحمر وأسود في شكل بقع على لوحات بيضاء . وتحول الواقع في رسوم الشاب ( بيكاسو زورى ( الى كوابيس والى حزن والى فانتازيا سريالية تجمع بين الامل الذى يخترق مدينة الاحلام والجبل –
الذي يطوق السور والحمامة التي ترفرف بجناحيها في الابعاد وبعد غاننى أتمنى لهؤلاء الموهوبين الشبان التقدم ،والتقدم بخطى واضحة وثابتة والى معارض اخرى ) ..
عبد عابدي – حيفا – ١٤-٦-٧٦
