د. خالد تركي حيفا
توفيق زيَّاد ويوم الأرض توأمٌ سياميٌّ وُلِد من رحم الحزب الشُّيوعيِّ، في الثَّلاثين من آذار من العام الفٍ وتسعمائة وستَّة وسبعين، ليكونَ صراخُ المولودِ يومَ ولادتِه صوتًا مدوِّيًا لشعبٍ رفضَ الذُّلَّ والهوانَ، تصدَّى لمصادرة الأراضي ولنهبِها، ناهضَ مشروعهم في تهويد الجليل، وقاومَ الجهوزَ على ما تبقَّى لشعبي من أرض يقف عليها بثبات.
حين حاولت السُّلطة الرَّسميَّة إفشال قرار الإضراب، عبر قراراتهم بالتَّهديد والوعيد والتَّخويف والتَّحذير، ومن خلال عكاكيزها السُّلطويَّة من ابناء جلدتنا ايضًا، وقفت جماهير بلادي صامدةً عاتيةً على العاتي، متحدِّيةً يد السُّلطة الحديديَّة وهجْمتها الدَّمويَّة الشَّرسة الرَّعناء، ووقف رفيقنا توفيق زيَّاد بإرادته الصَّلبة كإرادة شعبه، قائلاً: “قرار الإضراب للشَّعب، والشَّعب قرَّر الإضراب وهذا هو القرار النِّهائيُّ”، وكان إضراب يوم الأرض يومًا نضاليًّا مفصليًّا حازمًا، صنع لشعبي العربيِّ الفلسطينيِّ الصَّامد فوق ترابه مجدَه وعزَّته، حين كسر حاجز الخوف والرُّعب عند جماهيرنا ووقف شعبي ببطولة وبسالة دفاعًا عن حقِّه في أرضه ومقاوِمًا لمخطَّط تهويد الجليل والقهر القوميِّ والتَّمييز العنصريِّ، وانتصر دمُ شهدائنا وجرحانا على سيوفهم..
لا يوم كيومِك يا أرض، يوم الكرامة، يوم العزَّة، يوم الإباء والوفاء، هو يومٌ من أيَّام العرب التَّاريخيَّة..
الأرض نادت فلبَّى شعبي النِّداء..
“نداء الأرض، قاهر
أنا راجع فاحفظنَ لي
صوتي، ورائحتي، وشكلي
يا أزاهر”
بعد أن فُضَّ الاجتماع في شفاعمرو، خرج رفاقنا وباقي الرُّؤساء المؤيِّدين للإضراب على اكتاف الجماهير مرفوعي الهامات منتصبي القامات، بينما خرجت عكاكيز السُّلطة من الأبواب الخلفيَّة للقاعة، يجرُّون ذيول الهزيمة، مذلولين ومُطأطئي الرُّؤوس، بعد أن رُجِموا بالحجارة..
وهنا طارت حفيظة رفاق شبيبة حيفا، الذين تمركزوا في نادي الحزب ببستان الشُّيوعيَّة، حين وصلتنا، أنباءٌ كاذبة، حاولت السُّلطة دسَّها، لزرع الشُّكوك، فينا، كجزء من حربهم الإعلاميَّة، تفيد بإلغاء الإضراب، حيث كنَّا مجتمعين، على أحرٍّ من الجمر، رهن إشارة القيادة لأيِّ طلبٍ يُطلبُ منَّا، وإذ بالرِّفاق حنَّا نقَّارة، صليبا خميس ومحمَّد ميعاري، يأتون من بعيد إلينا، فنزلنا لملاقاتهم، بلهفة اللقاء لسماع أخبارٍ سارَّةٍ، لقطع أقوال جهيزة، فقالوا لنا: تردُّوش على حدا، الإضراب قائم في موعده وعلينا إنجاحه..
لقد اقتحم عسكر صهيون ساحة بيت رفيقنا توفيق زيًّاد وعاثوا فسادًا في باحته واعتدوا على زوجته الرَّفيقة نائلة، لكنَّهم لم يستطِيعوا اقتحام بيت العزِّ والشُّموخ والكرامة، وبقي العرين صامدًا نظيفًا من رجسهم، بمقولة رفيقتنا نائلة، الشَّهيرة: “لن تدخلوا هذا البيت إلا على جثتي” وكان لها ما قالت، فللبيت ربٌّ يحميه، وربُّ البيت الرَّفيقان نائلة وتوفيق زيَّاد..
لقد وقف النَّائب توفيق طوبي في الكنيست، في اليوم التَّالي من الإضراب، معلنًا نزع
الثَّقة عن الحكومة المجرمة، وقال: “أنتم تتحدَّثون عن النَّاصرة. هذا هو حقُّ توفيق زيَّاد، الذي أفشل مؤامرتكم المجرمة، ضدَّ سكَّان النَّاصرة..
لقد أرسلتم حرس الحدود لاقتحام بيته، متحدِّين حصانته البرلمانيَّة، من اجلِ استفزازه، وجرِّه إلى مصارعتكم، وإلى نتائج وخيمة في النَّاصرة. لقد أفشل مؤامرتكم. وأفشل حرس الحدود وأوامره..”.
وقد أرسل الرَّفيق ابراهام ليفنبراون، عضو الكنيست، رسالة إلى رئيس الكنيست آنذاك جاء فيها: باسم الكتلة الشُّيوعيَّة في الكنيست أُقدِّم احتجاجنا على المسِّ الفظِّ بحصانة النَّائب توفيق زيَّاد. لقد أحاط أفراد الشُّرطة بداره في النَّاصرة، واقتحموها عنوةً بعدما كسروا أبوابها ونوافذها. وضربوا والدته وزوجته وشقيقه وشقيقته وطفلته، ولدى خروجهم من المنزل أطلقوا النَّار في الجوِّ، ليُبعِدوا الصَّحفيِّين والمصوِّرين، الذين كانوا شهود الحادث. لقد كرَّروا العمليَّة مرَّات على الرَّغم من أنَّهم علِموا وأُحيطوا علمًا بأنَّ الدَّار دار عضو كنيست. ويُتابع..إنَّنا نتوجَّه إليك كي تعمل لوقف أعمال الإستهانة بالنَّائب توفيق زيَّاد وتحدِّيه، ولتُطالب بمعاقبة المسؤولين عن الأعمال عير المسؤولة (الإتِّحاد، يوم الأربعاء الواحد والثَّلاثين من آذار عام الفٍ وتسعمائة وستَّة وسبعين).
لقد قال الشَّاعر والمناضل داود تركي في رحيل القائد توفيق زيَّاد قصيدةً، بعنوان، رحيلك يا رفيقي:
لتوفيقَ الرَّفيقِ علا احترامٌ بنفسٍ ترفعُ الذِّكر التهابا
لشهمٍ فارسٍ ما كلَّ عزمًا أغاظَ الظُّلمَ واجتاح الصِّعابا
فقدْنا نفسَه تأبى اضطهادًا وتقتحمُ السَّرايا والقُبابا
لك الأحرارُ قد رفعوا لواءً لماذا عنهم رُمْتَ الغيابا
ألا بئسَ الرِّجالُ إذا استكانوا لسوء صنيعها اعتمدوا التَّوابا
ونِعمَ الصَّامدون على دُجاها يدُكُّون المغارب والرِّحابا
لقد شاركت حيفا شقيقاتها، من المدن والقرى العربيَّة، في المثلَّثين والجليل، في السَّاحل وفي صحراء النَّقب، في صنع يوم الصُّمود، والثَّبات، والتَّحدِّي والتَّصدِّي لسياسة تهويد الجليل، وطرد شعبِي من أرضه وتضييق الخِناق حول متنفَّسه الوحيد، فمن حيفا أيضًا، طلع القرار، تأكيدًا على قرار حزبنا وشعبنا أنَّ “الشَّعب قرَّر الإضراب”، حيث اجتمعت قيادة الحزب الشُّيوعي، في التَّاسع والعشرين من شهر آذار من عام الأرض، السَّادس والسَّبعين من القرن المنصرم، في بيت الرَّفيق والفنَّان الملتزم والمبدع، عبد عابدي، شارع حدَّاد رقم ثلاثة عشرة، مصمِّم النَّصب التِّذكاري ليوم الأرض، في سخنين، مع رفيقه غرشون كينسبل، حيث قرَّروا دعم الإضراب والعمل على إنجاحه رغم تهديد ووعيد وترهيب السُّلطة الحاكمة لقيادة الإضراب ولكلِّ من يُضرب.
وسأذكر المجتمعين بالإسم، لتبقى أسماؤهم راسخة في ذاكرتنا، ﴿..إن نَفَعَت..﴾ والرِّفاق هم: ماير فلنر، توفيق طوبي، إميل توما، صليبا خميس، سليم القاسم، جمال موسى، إميل حبيبي، رمزي خوري وحنَّا نقَّارة.
فقد أصدرت قيادة الإضراب في حيفا، اللجنة المحلِّيَّة للدِّفاع عن الأراضي، في الرَّابع والعشرين من شهر آذار من عام الأرض، بيانًا جاء فيه: “عرب حيفا سيشتركون في معركة الأرض والكيان والكرامة، ..نحن نريد أن نفرض على السُّلطة احترامنا والاعتراف بحقوقنا في السَّكن المناسب والمدارس لأولادنا والخدمات الصِّحِّيَّة والعامَّة، ولن نرضى بأقلِّ من المساواة”، وتابع المنشور “إنَّ التَّهديدات والضُّغوط التي تمارسُها السُّلطات لمنع الإضراب لن ترهبنا فلا يُمكن إرهاب شعبٍ بكامله، شعب وحَّد صفوفه وقرَّر التَّمسُّك بحقوقه المشروعة والعيش بكرامة على تراب وطنه..
لنشترك جميعًا في إضراب شعبنا في يوم الأرض يوم الكرامة والحقِّ والمساواة”.
لقد قام الرِّفاق قبل إضراب يوم الأرض، في حيفا، بالتَّحضير له لإنجاحه من خلال لقاء النَّاس في جميع أماكن تواجدهم وإقناعهم بعدالة القضيَّة، أذكر منهم عبَّاس زين الدِّين، شفيق طوبي، صالح حمُّود ونبيل عويضة ووجيه سمعان وغيرهم من رفاق الحزب ومن أصدقاء الحزب، وبأيديهم هذا المنشور، قرار الدَّعوة للإضراب، يدعون فيه أصحاب جميع الحوانيت والمحلات التِّجاريَّة وأصحاب الحرف الحرَّة وأصحاب البسطات في سوق الخضار في الأحياء العربيَّة في حيفا إلى تلبية النِّداء الوطنيِّ، نداء الواجب، وقد نشط رفاق الشَّبيبة الشُّيوعيَّة، بتوزيع المنشور بين طلاب المدارس، وبإقامة النَّدوات لشرح أهميَّة هذا اليوم والمشاركة فيه والاهتمام بقضايا شعبنا، والعمل على إنجاز الإنتصار بوحدتنا، لأنَّها هي قوَّتنا من أجل الحرِّيَّة والمساواة وضد الاضطهاد القوميِّ ومصادرة الأراضي، طالبين من الجماهير أن تلتزم بالإضراب وبقضايا الشَّعب، كذلك دعاهم المنشور إلى إنجاح الإضراب، في الثَّلاثين من آذار، ومن أجل إنجاح المظاهرة القطريَّة أمام مبنى الكنيست في ذلك اليوم، وكذلك دعا المنشور إلى الاجتماع الشَّعبيِّ في ساحة كنيسة “سانت لوكس”، يوم السَّابع والعشرين من شهر آذار، حيث لبَّت جماهير حيفا النِّداء، وكان الاجتماع شعبيًّا حاشدًا، إذ شاركت فيه غالبيَّة جماهير حيفا من عمَّال وحرفيِّين وتُجَّار ومثقَّفين ثوريِّين وأكاديميِّين وطلاب ثانويِّين وجامعيِّين..
لقد كان الإضراب شاملاً وناجحًا في جميع مرافق المدينة، وذلك بفضل وجود رفاقنا الدَّائم في ذلك اليوم وما قبله في الشَّارع لمنع الذين أعمَتهم مصلحتهم الذَّاتيَّة فتح متاجرهم، وكان رفاقنا الطُّلاب موزَّعين على مداخل وابواب المدارس الأهليَّة والحكوميَّة الرَّسميَّة قبل الإضراب لإنجاحه من خلال توزيع المناشير والحديث إليهم وكذلك تواجد رفاق الشَّبيبة في يوم الإضراب لمنع بعضهم من الدخول إلى المدرسة، والتَّأكُّد من عدم وصول الطُّلاب إلى المدارس، وأذكر أنَّه كانت هناك نقاشات بين رفاقنا في الشَّبيبة الشُّيوعيَّة وبعض من الطُّلاب لإقناعهم على الالتزام بقضايا شعبهم وبقرارات مؤسَّساته التَّمثيليَّة وقد اقتنع الكثير ببرنامجنا النِّضاليِّ، وأضربوا، والذين بهم صممُ كانوا قلائل لا يتجاوز عددهم عدد أصابع كفِّ اليدِ الواحدة، كذلك كانت هناك تلاسنات بين نشطاء الشَّبيبة من الطُّلاب مع بعضٍ من المعلمين الذين حاولوا كسر الإضراب لثنيهم وحثِّهم على الالتزام بقضايا شعبهم، مع بعضهم نجحنا، وكسبناهم في المعارك التي تلت يوم الأرض، ومنهم من تابع رفضه للاضراب دون المجاهرة بذلك، وكانوا قلَّةً منبوذةً، ومنهم من هدَّدنا بإحضار الشُّرطة إن لم نترك بوَّابة المدرسة
..
كذلك قامت نخبة من الشَّبيبة في ذلك اليوم بالوقوف أمام المتاجر التي لم تلتزم بالإضراب، وكان عددها قليلاً، نفر يُعرف بتعاونه مع السُّلطة، منشدةً “يا فلان يا أنتيكا انت عميل لأمريكا”، وقام بعض الرِّفاق بمهاتفتهم مباشرة داعين إيَّاهم إقفال الحوانيت بالحُسنى..
وقد كتبت صحيفتنا “الإتِّحاد”، في ثاني يوم الإضراب ما يلي:”أفاقت المدينة على إضراب أصحاب الحوانيت، في وادي النِّسناس، باستثناء نفرٍ يُعرَف بتعاونه مع السُّلطة، واضراب طلاب المدارس الثَّانويِّين واكثريَّة المعلِّمين فيها”..
“وكما وقع في غير حيفا..استعرضت قوَّات البوليس وحرس الحدود عضلاتها فاستمرَّت تجوب الشَّوارع بغيةَ إرهاب المواطنين”..
لم يطق رجال شرطة حيفا نجاح الإضراب بهذا الشَّكل، إذ نزلت على رؤوسهم ضربة صاعقة مدوِّيةً، غير متوقَّعة، لذلك ومن أجل تشديد التَّوتُّر في المدينة، قاموا بالتَّحرُّش برفاقنا على مداخل المدارس وفي الشَّوارع والسَّاحات، وقاموا بالإعتداء على نادي الحزب، في بستان الشُّيوعية، واعتقلوا العديد من الرِّفاق، من الحزب والشَّبيبة، ومن اصدقائهم، وأذكر أسماء الرِّفاق من الحزب والشَّبيبة الذين تمَّ اعتقالُهم، للذِّكرى ﴿..إن نَفَعَت..﴾، وهم جورج طوبي (سكريتير منطقة حيفا للحزب الشُّيوعيِّ)، نبيل عويضة (عضو لجنة منطقة حيفا للحزب)، وجيه سمعان (عضو سكريتارية إتِّحاد الشَّبيبة الشُّيوعيَّة)، جمال عاشور (الذي اعتدوا عليه بالضَّرب المبرِّح في مركز شرطة حيفا)، جول جمَّال (حيث اعتقلوه بوحشيَّة حقودة ودفينة حين حملوه وجرُّوه من شعره وأدخلوه سيَّارتهم)، ومن بين المعتقلين كذلك الرِّفاق والأصدقاء نيقولا عبده (حيث أُصيب بكسرٍ في يده)، روحي قاسم، يعقوب زخريان، إياد قندس، طوني حايك، يوسف قحاوش (إغباريَّة) ويوسف (رزق) الياس (إذ قالوا له في مركز الشُّرطة انت ليش معهم ما انت مسيحي وهم من المسلمين، ما لك وما لهم)..
وأذكر أنَّ أول معتقل في يوم الأرض، كان زميلنا على مقعد الدِّراسة، في حيفا، في الكليَّة الأرثوذكسيَّة العربيَّة، عمر أحمد شلاعطة، من سخنين..
وقد قام رجال الشُّرطة، بعد ذلك، بمحاصرة نادي الحزب في بستان الشُّيوعيَّة، استعدادًا لاقتحام المبنى، حيث تمركز فيه رفاق ورفيقات الشَّبيبة، لكن تدخُّل الرفيقين توفيق طوبي وبنيامين غونين حال دون ذلك، إذ وصلا إلى حلٍّ مع رجال الشُّرطة، وهو كالتَّالي، تُطلق الشُّرطة سراح الرِّفاق المعتقلين فورًا دون أيَّة تهمة، على أن يترك الرِّفاق المعتصمين في نادي الحزب المقرَّ ويذهبوا إلى بيوتهم، لكنَّ رفاق الشَّبيبة حين تركوا المقرَّ توجَّهوا إلى بيت الرَّفيق عبَّاس زين الدِّين، ريثما يتمُّ التَّأكُّدُ من إطلاق سراح جميع
المعتقلين، لأن قرار الرِّفاق كان ﴿..وإن عُدتم عُدنا..﴾..
وقد قامت رفيقات الحزب ماجي كركبي، اولغا طوبي وعفيفة زين الدِّين بزيارة أمَّهات المعتقلين حيث وجدنهنَّ أشدَّ بأسًا وثباتًا ويقينًا ثابتًا بعدالة القضيَّة، وبدفع الثَّمن مقابل الحرِّيَّة والعدالة، “أولادنا مثلهم مثل باقي الشَّباب المعتقلين”..
وبعدها ببضعة أيَّام اعتقلت الشُّرطة الرَّفيقتين وفاء عبُّود ونجاح سمعان حين كانتا توزِّعان منشور الشُّكر لوقفة أهالي حيفا البطوليَّة مع اضراب شعبهم..
كذلك قام رجال المخابرات والشُّرطة بتهديد المعلِّمين في حيفا الذين التزموا بالإضراب، بعد أن حاولت الضَّغط على وزارة المعارف لفصلهم، كذلك قاموا بإرهاب العمَّال الذين التزموا بقرار شعبهم، فمنهم من فُصل ومنهم من لم يقدروا على فصله، وقد دافع عن معتقلي حيفا وعن من فُصل من عمله، أو عن من حاولوا فصله محامو الشَّعب في حيفا، حنَّا نقَّارة، وعلي رافع وأنيس شقُّور..
حيفا عروس السَّاحل الشَّاميِّ، منذ أربعينات القرن المنصرم، وما زالت، محورًا وطنيًّا أمميًّا، منذ تأسيس عصبة التَّحرُّر الوطنيِّ وإصدار صحيفة “الإتِّحاد”، مرورًا بنكبتها، وتوزيع منشور البقاء في الوطن، والدِّفاع عن البيوت التي هُجِّر أهلها منها، ومحاولة رفاقنا إرجاعهم إلى بيوتهم، حيفا معركة الصُّمود ضدَّ الحكم العسكريِّ البغيض، حيفا في مظاهراتها الشَّعبيَّة العارمة في الأوَّل من أيَّار في خمسينات وستِّينات القرن المنصرم حين كان رفاقنا يواجهون أخطرَ الحِقَبِ، رجال الشُّرطة وحرس الحدود وعصابات اليمين العنصريِّ الفاشيِّ، حيفا التي أبدعت في تكريم الشَّباب الثلاثة المغدورين، جورج سليم شاما، جريس ذياب بدين، وريمون يوسف مارون، وحيفا التي هبَّت عن بكرة ابيها في جنازة تشييع رمزيَّة لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، مرورًا بهبَّة تشرين في العام الفين، في الدِّفاع عن أحياء حيفا العربيَّة، والذَّود عن حياضها، والدِّفاع عنها وحمايتها، فكانت حيفا دومًا عرين الشُّيوعيِّين والوطنيِّين، وجماهير حيفا ما انفكَّت تحافظ على هذا البيت الدَّافئ الجميل والعزيز..
فلا يُمكنني أن اتصوَّر يوم الأرض في حيفا، ونجاحه بالتَّمام دون رفاقي في الحزب الشُّيوعيِّ والشَّبيبة الشُّيوعيَّة، واصدقائهم من الوطنيِّين الشُّرفاء، هُم هُم من صنع القرار ومن صنع الصُّمود والمثابرة وهُم هُم من انجحَ الإضراب..
وانتصرت حيفا وستنتصر في القادم من الأيَّام..
الشُّهداء أكرم من في الدُّنيا وأنبل بني البشر..
وشهداء يوم الأرض الأوَّل هم: خير ياسين، خديجة شواهنة، رجا ابو ريا، خضر خلايلة، محسن طه ورأفت زهيري..
المجد والخلود للشُّهداء..
وللطَّاغوت الفناء، في ﴿..أَسْفلِ سافلين﴾..