المعلم الأول من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس (الخطينة )

كتبها: زاهد عزت حرش

*ما أن تقع عيناك على صفحة بيضاء تحمل خطوطا سوداء، التصنع في اتحادها تشكيلا فنيا ذات صبغة متميزة، الا وتعرف انها تعود له، فانحناءات الخطوط واحتدادها وظلال الوجوه المتعبة الصامدة، والنظرات بعيدة الافق والسواعد الصلبة الناشفة، كلها تجتمع في تكوينات خطوطية متجانسة، لتروي لك حكاية ما عن مرحلة ما من تاريخ الشعب والناس، وخاصة الأكثرية الكادحة.. صورة يمتزج بها الصمود بالتحدي، حملت دائما توقيع شاهد واحد، توقيع الاستاذ عبد عابدي. كانت ايام الشتاء وهطول امطار تشرين، لا تمنعه من الحضور الى تلك المدرسة الليلية المسائية)، التي افتتحتها البلدية في احدى المدارس القديمة في المدينة، والتي كانت مقر الحاكم العسكري فيما بعد النكبة. كان يأتي بواسطة النقل العمومي، يصل في الكثير من المرات ورذاذ المطر بعطر اطراف ثوبه، كي يقوم برسالته في تعليم اصول الفن التشكيلي لبراعم موهوبة. وكم من المرات شاركته بتواجدي في تلك الدروس.. خاصة في الأيام الماطرة ، حيث كان من الصعب جدا وجود نقل عمومي بعد هبوط ولی خيوط الظلام على هذه اقرية الكبيرة، التي لا تعد خمن تيفا سوی من دون عقر کنت ابقي إلى جانبه لأعون ربه الی شبل اور مالی و امارات اخرى كانت في انتظاره، فقد كان يعمل في صيانة الاتحاد » بعد كلامهات) ويساهم في مونتام لصحیفہ التي كانت تصدر يوم الثلاثاء والجمعة من كل اسبوع. تحمل کامل دسؤولياته التي اتخذها على عاتقه بصبر وثبات لزمن طويل . ن الرسم بالنسبة له لم يكن آتيا من مجرد عملية ترف ثقافي بالمفهوم العملي للكلمة.. بل على نقيض ذلك تماما ! أن العمل الابداعي بالنسبة له مسؤولية تاريخية.. اذكر انه كان يردد امامي.. ولا يزال، اننا مسؤولون أمام التاريخ والاجيال القادمة بالنسبة لما نقوم رما لم نقم به!! لقد اعطى ابو امیر کثیرا من ذاته لكل ما له علاقة بالفنون التشكيلية، فجاءت ابداعاته

معبرة عن طموحات الناس وهمومهم، وكانت ايضا رواية حية ذات فصول متجددة لكل مراحل بقاء هذا الشعب واستمرارية وجوده. فكيفما حاولت أن تهرب من هذا الحضور المتميز الكامن في الشواهد الابداعية النادرة القائمة في موقع ما من ارض الجليل، وجدت الفنان عبد عابدي قائما كصرح عملاق في احدى زوايا المكان. ان ملصقات صرخة سجناء الحرية… وقبضات السواعد الباسلة صورة عنه، ومحرك النصب التذكاري القائم على ارض سخنين، ما زال يحفر اتلامه المستقيمة في الذاكرة.. ما زال منتصب وهامة فوق الثرى، معلقا في فضاء الأرض المهددة بالمصادرة منذ الطلقة الاولى للصراع، ولم تزل!! ولم يزل يصرخ في وجه التهويد ويارس ببقائه صفة الشاهد الازلي على الممارسات الموبوءة الآتية من كل اتجاه .

ما من ریشة للون في ربوع هذا الوطن الا وشربت من نبع بدیه.. ومن نبع عطائه المتجدد ، كالنهر المشبع بالصمت والسكون انعكاسا لعمقه وصفاء مجراه، ففي احشائه تختبئ آلاف الكنوز الابداعية التي خرج بعضها ليعيش بيننا، حاملا صفته الاستثنائية وبصمات بدیه. في يوم افتتاح معرض القدس ووتريات

فلسطينية للفنان كامل المغني في عكا ، قال د. غاءي غاوي عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية في سياقي مداخلته: « حنين التقي معمل للفنان عبد عابدي، لا ابحث عن التوقيع ولا اسأل عن صاحب العمل، لانني استطيع ان اخمن باحساسي انه يعود له». أي أن هناك مرحلة عاشها هذا الشعب تعلم فيها اول دروس محو الامية في القراءة البصرية لموضوعات الفن التشكيلي ، بلغة خصوصية وبأبجدية محلية متميزة .. ان ابتکارها يعود اليه، وان من يبتغي دراسة تاريخ حركة الفن التشكيلي لهذه البقية الفلسطينية الباقية بقرب مساحات الزيتون وحجارة البيوت القديمة، لا يستطيع ان يدرك شمولیتها وعمق مکنوناتها دون الاعتماد بالاساس على ظاهرة عبد عابدي الفنية، حضورا ومساهمة کمرحلة ابتدائية واستمرارية ساهمت في ارساء دعائم هذه الحركة.. وكمبدع له دوره وشأنه في فضاء الحركة الفنية على امتداد ارجاء التواجد الفلسطيني. انا هو الشاهد.. الذي لا يحتاج الى دليل او برهان ليثبت وقائع

عديدة من مسيرة عطائه المتجدد على مدى ثلاثين عاما وأكتر.. فمنذ ما قبل واقع اقامة النصب التذكاري لمرور خمسة وسبعين عاما على بلدية شفاعمرو، هذا العمل الوحيد الذي لم تفرضه ظروف التحدي المباشر، المتشكل بأسلوب الحفر الغرافیکي، يحمل رموزا تتحدث عن تاریخ انسان هذه البلدة ومعاناته عبر ما مضى من الأجيال، في تلك المنحوتات البرونزية المعلقة على صخرة.. لو كان هناك من يعي قيمة هذا العمل الإبداعي بواقعه وواقعيته لتحول الى تذكارية تمتاز بها هذه القرية الكبيرة!! كلما التقيت بهذا سطعت كلمات السيد المسيح في اعماقي، حين كلم بطرس الرسول قائلا: «انت الصخرة…» واظن ان الاستاذ عبد عابدي اراد لهذه المدينة ان تكون ركيزة وانطلاقة المسيرة الثقافية والحضارية لهذا الشعب.. فاستحضره في مخيلتي قائلا: «انت الصخرة… »! لقد جعلها ضخمة ثابتة تتصدى للرياح العاتية، تحمل في أخمص قمتها طاقة ضوء.. تتحدث ايضا بفعل النبوءة التي يختزنها الفنان في احشائه عن موضوع البحث عن المستتر).. تلك الثغرة تنطوي على بعد متجدد لبناء واستمرارية البقاء والحياة.. وتحمل في بعدها التكويني كوة رؤيوية نرى من خلالها ما يجري في الفضاء اللامتناهي. يطوف هذا المعلم كالضوء في كل مكان.. وانا اراه كتلك

الزيتونة الوارفة المثقلة بأحمالها ، فما أن يقبل موسم القطاف حتى يأتي اليها اصحابها وأحبابها.. فیتکاثر عليها الفراطون والجوالون، على أمل أن يعود الموسم عليهم بالخير.!! وها هي شقائق الفراطین تنهال عليه لتنال من خبر بدیه.. وها هو بعد هذا الجهد الكبير لا يزال مستمرا في التجدد والعطاء، يساهم في دفع مسيرة الفن التشكيلي بكل ما لديه من تجربة وخبرة وايمان ما يعتمره القلب. واذكر ما جاء عنه في كتاب (الفن التشكيلي في فلسطين) للفنان الفلسطيني اسماعيل شموط : « ن شخوصه في رسومه وصوره شامخة كالاشجار ضاربة جذورها في قلب الارض منت تو امان قدرة كبيرة على استيعاب لست انت ۔ لنا کے رسو د خطر دية مع شالی کارنامه و به الفنان وذلك يتجلی تی حفرياته لغر في حية رهو التعبيرين . . ( ۷۹ هنا لت تجربة قاسية مر بها لفنان عبد عابدی ، ، نا على مساهمته الجدرية في اقامة اطار لرعاية الفنانين التشر، مبین العرب في هذه البلاد.. وقد نتج عنه ابعاد سلبية معنا.. ما كان يتمناه ويرنو اليه!! ولكني ود هم ن اطرح اقتراد ، به الفنانة حنان يوسف، في حديت کار بننا منذ یاد. با توحب العمل على اقامة اتحاد الفنانين التشكيليين العرب في البلاد ، يضم الفنانين التشكيليين من ابناء شعبنا من اقصى الشمال الى

اقصى الجنوب، يعتمد في دستوره وقواعده على اسس ثابتة في بنائه وشروط العضوية فيه).. ان مع هذا الاقتراح وارجو من الاستاذ عبد عابدي ان يباشر في إقامة هذا الاتحاد، ونحن الى جانبه من أجل تحقيق الأهداف الخيرة للحركة الفنية التشكيلية

في مسيرة الابداع الفلسطيني، هنا وفي كل مكان. ان الزمن الطيب الذي جمع بيننا ، حمل في سياقه افتتاح «معرض الفنون التشكيلية» للشابين وليد ياسين وزاهد حرش ، مساء السبت ۱۹۸۰/۹/۲۰ في نادي الشباب الشفاعمري.. وجسد الكثير من القناعات والافكار المتقاربة الى حد التطابق ، واقام صرها من الصداقة مضى عليه عشرون عاما واكثر.. هذا الذي ما زال يضيء للكثيرين منا تلك المسارات المسكونة بالعتمة وخفافيش الظلام..!! فأي شيء يمكن ان اقدمه لك ايها العظيم ؟؟ وانا لا املك سوى باقة من الكلام وغابة من الصمت، وبيت شعر استعرته من ابي الطيب لينبئك عن حالي.. يقول: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم تسعد الحال والى اللقاء غدا او قبل غد

source.

Let your voice be heard! Share your thoughts and ignite the conversation. Your comments matter!

المشاركات الاخيرة

من عام 1962 حتى اليوم: إطلاق مكتبة عبد عابدي الإلكترونية وأبرز المحطات الإعلامية
يوليو 16, 2025By
المبدع الفلسطيني عبد عابدي..حاملًا ربيع الفن التشكيلي
يوليو 9, 2025By
دعوة لحضور حفل افتتاح المعرض Heartache מועקה ُو َجع
يوليو 1, 2025By
إقبال على معرض الفنان الفلسطيني عبد عابدي
مايو 20, 2024By
الفنان عبد عابدي… يروي حكاية حيفا في ذكرى احتلالها
أبريل 29, 2024By
لا يوجد هناك مكان: معرض في متحف الفن الحديث في فرانكفورت
مارس 25, 2024By
دعوة: أصوات من مشروع المقابلات “الفن في الشبكات” يوم 21 مارس في الألبرتينوم
مارس 18, 2024By
أصداء البلدان الشقيقة / بيت الثقافات العالمية في برلين
فبراير 10, 2024By
“على هذه الأرض” يجمع الفنانين العرب حول فلسطين
نوفمبر 27, 2023By
البرتينوم: رومانسيات ثورية؟ تاريخ الفن العالمي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية
أكتوبر 31, 2023By

الأعمال الأخيرة

GDPR

اكتشاف المزيد من عبد عابدي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading