أيلت زوهر
عبد عابدي من مواليد حيفا، 1942 هو فنّان فلسطينيّ-إسرائيليّ أكمل دراسة التصميم الجرافيكي ورسم الجدارّيات في ألمانيا الشرقيّة1. بدأ طريقه الفنيّة في مجال فنون الجرافيك للطباعة، بوظيفة مصمّم الصحيفة نصف الأسبوعيّة، “الاتحاد”.2 تمتدّ القوّة الإبداعيّة لدى عابدي على ما يزيد عن خمسة عقود وعلى تشكيلة ثرّية من الوسائط الفنيّة – من النقش وحتى الجدارّية، من نحت النصب الخارجيّة وحتى اللوحات الزيتيّة صغيرة الحجم. بالإضافة إلى عمله الواسع في صنوف الفنّ المختلفة، فإن أيقونوغرافية عابدي تدلّ على مساهمته المستمرّة في النضال الفلسطينيّ من أجل الاعتراف ومنح صوت للهوّية الفلسطينيّة، التاريخ والمعاناة، وهي تشكّل ثيمات مركزّية في عمله الفنيّ. يسعى المعرض الحالي إلى التأمّل في أعمال عابدي من وجهة نظر شخصيّة وخاصة، إلى جانب تقصّي الرغبة العميقة ورهافة الحسّ العالية التي لديه للمادّة، والتي تحظى بتعبير لافتٍ في أعماله المختلفة. هذان الجانبان – وجهة النظر الشخصية ورهافة الحسّ المادية – حاضران في أعماله على امتداد مسيرته الفنيّة. اخترنا في هذا المعرض التمحور حول ثلاث مجموعات أعمال مركزّية، والتي تمّ إثراؤها بنخبة من المشاريع الأخرى، وقد تعاطينا معها ك”هوامش” يلقي موقعها وحضورها في هذا المشروع الضوءَ على المواضيع والثيمات القائمة في أعمال عابدي. |
____________________________________
1. درس عابدي في كليّة التصميم الجرافيكي وكليّة رسم الجداريّات في أكاديمية الفنون بدرزدن خلال السّنوات 1971 – 1964
2.كانت الاتحاد جريدة نصف أسبوعية أصدرتها جمعيّة الاتحاد في السنوات 1982 – 1944 ، وكانت جريدة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. منذ عام 1982 تصدر الاتحاد كجريدة يوميّة. عمل عابدي محرّرًا جرافيكيًّا للجريدة خلال الأعوام 1982 –1971
الموادّ
تستعين الأعمال الثنائيّة الأبعاد والمنحوتات المُثبّتة لدى عابدي بتشكيلة متنوّعة من الموادّ المستقاة من تاريخ الفنّ – موادّ بناء وأغراض مشحونة ثقافيًّا. تشتمل موادّ الفن على الجبس، الجرافيت، الفحم، الطباشير الزيتيّة، ألوان الباستيل، الألوان المائيّة، الأكريليك والألوان الزيتية، أوراق الكربون للنسخ والموادّ الخاصة بالطباعة. إلى جانب استخدامه موادّ الرسم التقليدّية، يستعين عابدي بموادّ إضافيّة مختلفة مثل الرمل، القش، الدبق الخزفيّ، الحبال، أكياس الخيش، الأسلاك المعدنيّة، المشبّكات البلاستيكيّة، الألواح النحاسيّة، الزّنك وغيرها، وهي مأخوذة من عالم موادّ البناء. يتجسّد تميّز الموادّ المشحونة ثقافيًّا باستخدام البنانير، القلائد الخشبيّة، السجاجيد، المنسوجات المختلفة، التمائم، الرقائق النحاسيّة، الشمعدانات، الساعات، الرّزنامات، الدمى، أشرطة القياس، الكوفيّات، الصور، أكياس الطحين والسكر المطبوع عليها شعار الأونروا، وما شابه. إنّ مجموعة الموادّ هذه التي تجمع ما بين عالم الفنّ، عالم البناء وعالم الصور الفلسطينيّة، تشكّل الطبقة الأساس في أعمال عابدي.
الرسم 1 نظرة من الأعلى على سقيفة في قرية العراقيب غير المعترَف بها، 2011 أكريليك وجيسو على قماش 85X70 سم |
الرسم 2 مخيّم، 2011 حبال، خيش، أنبوب بلاستيك، دبق خزفيّ وأكريليك على قماش 95X60 سم |
الرسم 3 سقيفة قماشيّة في الفضاء، 2011 مشبّك بلاستيكي، دبق خزفيّ وحبال على قماش 85X70 سم |
يختار عابدي كلّ مادّة من هذه الموادّ بدقّة بالغة، وهي تحمل معها سياقات دقيقة قبل دخولها إلى العمل، فتشكّل مادّة مشحونة يُصمّم عليها عابدي مشاعره وأفكاره، لتحمل صور الفنّان وسردّياته.
خيام، منسوجات وخرق: ثنيات وخيوط
الثنيُ اللانهائيّ3
تعبّر صور عابدي عن عدد من الثيمات التي تتكرّر في أعماله بشكل لولبيّ. هذا التكرار يتجسّد جيدًا من خلال تناوله أقمشة حقيقيّة مقابل تمثيلات للقماش. يمكن لهذه أن تُستحضر من خلال القماش المثنيّ كمستوى تمّت إعادة تصميمه )الرسم 6(، أو من خلال اللعب بين وجه السّطح المستوي والأملس لخلفية الرّسم وبين وجه السطح غير المتساوي، المثنيّ، والملتفّ للنسيج الموضوع )أو الموصوف( على وجه خلفيّة اللوحة )الرسم 4(. تكشف نخبة من أقمشة عابدي أنّ العديد منها يتعاطى مع الصورة العينيّة لجوانب الخيمة، أو مع الستائر الحاجبة، وذلك من خلال استخدام ستائر منسوجة أو سجاجيد منسوجة حقيقيّة، أحياًنا. ويتمّ وصفها، أحياًنا، كمربّعات نسيج موضوعة على الأرض، بحيث تؤلف طبقة تغطّي )أو تمثل( التراب الذي. تحتها )الرسم 4(. يتم في حالات أخرى وصف بنى هندسيّة معقّدة من نظرة علوّية، كنظرة من علوّ الطائر تتأمّل في الجهة العليا من الستارة المشدودة )الرسوم 3- 1(. | |
الرسم 4 خرقة قماش/ جزء من خيمة، 1987جرافيت وألوان مائية على ورق 84X68 سم |
تكشف مجموعة الصور اهتمام عابدي المتواصل بصور الخيمة البالية، الستارة العائمة، القماش المتطاير، وكذلك بالطابع المؤقت والتفكيكي لهذه البنى. الخيام العائمة لدى عابدي، والنظرة العلوّية إلى مبانٍ مصنوعة من النسيج، تردّد صدى نظرّية جوتفريد زيمبر ) Gottfried Semper ( بشأن العلاقات الأساسية بين النسيج والمبنى، القماش والمعمار4. وفقًا لزيمبر، ثنية القماش، الانتقال من الحالة المسطّحة للقماش إلى حالة الخيمة الثلاثيّة الأبعاد، هي نقطة انطلاق المعمار. في المقابل، يهتمّ عابدي بشكلٍ أكبر بالبقايا، الجزئيّات، وبما تبقى من مبنى الخيمة الهشّ؛ هكذا يتحوّل القماش إلى كناية للهشاشة وعدم الثبات. أقمشة عابدي هي ستائر جزئيّة، مُمزّقة، عائمة، متطايرة في الهواء، موجودة كجزئيّات أو كبقايا، ما يعتبر بمثابة تذكير بالمؤقّت وبالحركة اللانهائية لحياة الرحّال، أو مَن يعيشون كمَن تمّ إنكارهم، كمُهجَّرين أو كمعتقلين.
البقايا الضعيفة، الهشّة وغير الثابتة قائمة فيما يتجاوز الصورة الرومانسية للرحّالة البدوي، لغرض الإشارة إلى اللاجئ – إنسان لا بيت ثابت أو أرض ثابتة لديه، حُرِم من الحقّ في الأرض، البيت القائم، أو الاستقلاليّة في القرارات المتعلقة بحياته الخاصة أو بدولة. اللاجئ، المعتقل، المُقيم في قرية غير معترف بها تهدمها السلطات مرّة تلو الأخرى، هي حياة الرحّالة الذين يسكنون لوحات عابدي.
ا لرسم 6 سجّادة صلاة وكيس خيش، 2010 خيش، حبال، دبق خزفيّ و أكريليك على قماش 80X100 سم |
الرسم 7 طيّات خيش، 2010 دبق خزفي، رمل، قماش خيش وحبال على قماش 80X100 سم |
الرسم 8 خرقة مطرَّزة، 2012 أكريليك على ورق 60X70 سم |
يشير دلوز إلى الارتباط الهامّ بموقف الرحّالة، ذلك الذي يمرّ خلال الحيّز الأملس، الذي لا تحكمه القوانين والمباني الخاصّة بالحيّز المشقّق.5 بالنسبة إلى دلوز، الرحّالة هو الناقد الوحيد المُمكن للحياة الحديثة، المنظّمة، التي يقوم بها رحّالة مختلفون – مُصابون بالانفصام وحتى مقاتلو المقاومة – بتجاوز الحدود القاسية للسلطة المُهيمنة. بهذه الروح، كلّ تعريف للهويات الفلسطينية من وجهة نظر السلطة الإسرائيلية يشتمل على فصل ثنائيّ حادّ بين نظام وسلطة وبين الرحّالة، المتسلل، الإرهابيّ، مقاتل المقاومة، المُقيم بشكل غير قانونيّ، المعتقل الإداريّ إلخ.. إنّ الأقمشة التي يستخدمها عابدي تشير إلى انعدام استقرار الوجود والحضور، في حين أنّ بورتريهاته تمنح حضوًرا لهذه الهوّيات، ولوجودها أمام المشاهد في الجاليري.
الثنية هي مبنى مركّب يقف أمام التقسيمة الثنائية العمومية بين الداخل والخارج. يؤدّي هذا المبنى دور “المضاعفة” ويمكن من احتواء ما تمّ تملّكه أو الإحاطة به، من خلال نقله إلى داخله )الرسمان 7- 6(. وهكذا، فإنّ الصورة العينية للثنية في كيس الخيش، وحضور سجّادة الصلاة المزركشة في داخلها، تعيد صياغة علاقات عابدي المركبة مع المسألة الفلسطينية )الرسم 6(. كفنان فلسطيني ناجح، يعيش في إسرائيل، يتمتّع بامتيازات )ويعاني من مصاعب( المواطنة الإسرائيلية، يتماثل عابدي بعمق مع مصير أبناء عائلته القريبين والبعيدين، وكذلك مع فلسطينيين آخرين، ممّن لم يحالفهم الحظّ فعاشوا في الجهة المعتمة من المعاناة. إنّ ثنيات المنسوجات ثنائيّة الأبعاد التي تحمل مدلولات مختلفة للهوّية الفلسطينية تدلّ على مكانة عابدي المُركّبة ما بين الانتماء للداخل والانتماء للخارج، كمَن ينتمي ولكن في الوقت نفسه يتأمّل من موقع مريح وآمن نسبيًّا في حياته الرّاهنة. إنّ الخطّ الأحمر الذي يمرّ على امتداد الكيس المثني يشير إلى تصنيف الكيس بكونه أكبر، ويثير فخرًا بالقدرة على إحضار كمية أكبر من الطحين والموادّ الغذائيّة الأخرى للعائلة.
هذا الخطّ يكتسب دلالة إضافية تتكرّر في أعمال عابدي – الخطوط الحمراء الطويلة التي تذكر بهذه الأكياس، تقسم صوًرا مختلفة )الرسم 2 والرسم 6(. وهكذا، في الإمكان النظر إلى المنسوجات كدالّ هامّ وعينيّ على الهوية الفلسطينيّة من جهة، وفي الوقت نفسه كإشارة )أو دلالة( إلى النقد والرفض في إزاء السلطة المُهيمنة، من خلال تفضيل مكانة الرحّالة على مكانة القوّة المُسيطرة، من جهة أخرى.
______________
3. Gilles Deleuze (2001, c1988). The Fold, Tom Conley (trans.), London: .Continuum, 140
4. Gottfried Semper (1989, c1851). ‘The Four Elements of Architecture: a Contribution to the Comparative Study of Architecture’ and ‘The Textile Art: Considering in Itself and In Relation to Architecture’ in: Harry Francis Mallgrave and Wolfgang Herrmann (trans.) (1989). The Four Elements of Architecture and Other Writings Cambridge, University .Press, 74-129, 215-263.
5.Gilles Deleuze and Felix Guattari (1980). ‘1440: The Smooth and the Striated’, A Thousand Plateaus: Capitalism and Schizophrenia, Minneapolis, MN: University of Minnesota Press, 474-477.
.
صورة داخل صورة
تتموضع صور عابدي ما بين الحضور الماديّ والتمثيلات. أحياًنا، يوحّد عمله الإمكانيّتين معًا ضمن تواصل أخّاذ، يربط المادية الحقيقية للنسيج مع الكيفية الرّمزية للتمثيل، كاقتباس )أو كتملّك( لصورة في اللوحة. في المعرض مجموعة من الأعمال قائمة في حيّز اللقاء والتمازج بين رسوم البورتريهات والمنسوجات، بحيث تشكل النقطة الوسطى بين القماش )خرقة الخيمة، الشال أو الكيس( وفكرة البورتريه، التي سيتمّ تناولها بإسهاب لاحقًا في هذا المقال.
امراة نائمة داخل خيمة )الرسم 9( وامرأة من مخيم اللاجئين بلاطة )الرسم 10 ( هما لوحتان تمثلان هذه الفكرة. يستخدم عابدي في اللوحتين أقمشة لغرض إحاطة وإخفاء حضور النساء – الأولى تمسك طرف الخيمة لتغطية نفسها وهي نائمة، في حين أنّ الثانية تستتر بمنديلها مقابل مربّع إضافيّ من القماش الذي يسدّ الخلفيّة والسياق البصري، وهي صورة ترمز إلى جدار الفصل بين إسرائيل والمناطق المحتلة. إن شكل الخيمة التي تلفّ المرأة، والشكل الذي ينثني به المنديل حول وجه المرأة الأخرى، يدخلانهما إلى بقعة الرحّالة – سواء أكانت تلك صور البدو وخيامهم في رحلاتهم الدائمة في أرجاء الصحراء أو صورة اللاجئ الرحّالة – المرأة التي تفقد موقع سكنها وإقامتها في برزخ المؤقت عديم الوضوح قياسًا بالحاضر والمستقبل.
الرسم 9 امرأة نائمة في خيمة، 2002 أكريليك وجيسو على ورق 87X70 سم |
الرسم 10 امرأة من مخيّم بلاطة للاجئين، نابلس، 1993 ألوان مائيّة وأكريليك على ورق 55X64 سم |
في سياق الرّبط بين شخصيّة إنسانيّة وبين النسيج، يتعاطى عابدي بشكل عينيّ مع التقاليد المسيحية الخاصّة بالقديسة فيرونيكا.6 هذه هي الصورة التي يصفها العمل فيرونيكا القديسة من فلسطين )شخصية جدّي، نايف الحاج( )الرسم 11 (، وفيها بورتريه رجل مسنّ عائم فوق صورة نساء يضعن منديلا وينتحبن خلف جدار من الأسلاك الشائكة. فيرونيكا القديسة هو الاسم المسيحي لامرأة من القدس مسحت وجه المسيح بمنديلها وهو في طريقه إلى الصليب، وقد انطبعت ملامح وجه المسيح عليه، وفقًا للرواية المسيحية.
تكشف المقارنة مع لوحة دومنيكو بتاي )الرسم 12 ( ملامح الشبه في هذه التجربة الحزينة والمؤلمة: ولكن، في حين أن امتصاص عرق المسيح وبالتالي طبع ملامحه لدى فيرونيكا القديسة خلق لحظة من القداسة والإيمان، فإن لوحة عابدي تصف لحظة من المعاناة والألم تعبّر عنها شخصيّة الإنسان المسن، المرفقة بشكل حقيقيّ بمعاناة النساء الباكيات.
الرسم 11 فيرونيكا القديسة من فلسطي (شخصيّة جدّي نايف الحاج)، 2012 خرقة قماش، جيسو وأكريليك على ورق 53X73 سم |
الرسم 12 دومنيكو بتاي (- 1588 1623 )،نقاب فيرونيكا القدّيسة، 1618 ألوان زيتيّة على لوح خشب، 80.6×66.3 سم الجاليري الوطنيّ في واشنطن |
هناك منظور مشابه لامرأة تحمل صورة بورتريه رجل ويظهر في رسم عابدي المتظاهرة )الرسم 13 (. الصورة لامرأة تحمل صورة )مُصوّرة( لرجل، وتتعاطى بشكل مباشر مع عادة شائعة لدى زوجات، أمّهات وأبناء المعتقلين والأسرى الفلسطينيين المسجونين في سجون إسرائيل، بحثًا عن طرق فعّالة لطرح قضيّة أحبّائهم ولتعميق الوعي بشأن معاناة العائلة. إن إعداد صورة إستوديو جدّية، من خلال عملية إخراج، لدى الشباب هو مؤشر لافت للانتباه في النضال الفلسطينيّ. إنّ العديد من الرجال التوّاقين للمشاركة في النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني يجدون أنفسهم أمامهم احتمالات عالية للاعتقال والسّجن من قبل سلطات إسرائيل، في حين أن الآخرين قد يلاقون مصرعهم وهم في ريعان الشباب خلال نضالهم. وبهذا، فإنّ الصور جاهزة انطلاقًا من التفكير بالسجن المستقبلي أو الموت العنيف، وهي تقوم بدور صورة الشهادة أو الذكرى. لو أردنا إعادة صياغة فكرة رولان بارت بشأن حضور الموت في كل صورة8 ، فإنّ استخدام عابدي لهذه الطباعات هو ترميز للموت، التهجير، الغربة والغياب الذي لحق بهؤلاء الناس، حيث أنّ الوجه المبتسم في الصورة المتفائلة هي صورة لماضٍ مفقود لن يعود قريبًا. علاوةً على ذلك، إنّ الفحص الدقيق للوحة عابدي )الرسم 13 ( يظهر أنّ المرأة التي تحمل الصورة بيدها، محاطة هي الأخرى بما يشبه الإطار الناعم المكوّن من خطّين يرمزان إلى مصير مشابه يتقاسمه الرجال والنساء الفلسطينيون دون تمييز بينهم.
الرسم 13 المتظاهرة، 1985 فحم على ورق 70X100 سم |
الرسم 14 فتاة فلسطينيّة تحمل صورة والدها المعتقل في سجن إسرائيليّ Raphah Today, Daily Life in Palestine http://rafahtoday.org/prior/news/08/jan08.html تصوير: محمد عمر, |
____________________
.6 يُنظر الموسوعة الكاثوليكيّة http://www.catholic.org/saints saint.php?saint_id=1953
7. كتب مئير فيجودر في السابق عن الأداء الصور في الأستوديو بيد شباب فلسطينيين: مئير فيجودر ) 2002 (. “كوكتيل شهيد: تأمّلات في انكسار الحياة اليوميّة”، أستوديو 134 )حزيران-تمّوز(، – 14 23 ، – 18 20 . (بالعبرية)
8.رولان بارت(1980c ،1988 ). أفكار حول التصوير، القدس: كيتر، 20 – 14 ، 26-32 ، 92-6 . (بالعبرية)
بورتريهات: غير المعترف به والحميميّ
البورتريهات المعروضة في المعرض هي مجموعة صور تعرض إمكانية الوصف، منح الاسم والهوّية لهؤلاء الذين تحرمهم السلطات من هذا الحقّ الأساس. في أعمال عابدي فاطمة أبو شرش، مقيمة غير قانونيّة )الرسم 15 (، امرأة من قرية غير معترف بها في النقب )الرسم 16 (، وفي غرفة الاعتقال )الرسم 17 (، الشخصيّات حقيقة من لحم ودم، لديهم وجوه وأسماء. يقدّم المعرض سلسلة أعمال لمَن تمّ سلب حضورهم أو هوّيتهم منهم، إلى جانب الأقرباء جدًّا من الفنّان – والدة عابدي، والده، شقيقته لطفية، أبناء أعمامه وأصدقاء آخرين من العائلة الموسّعة. عابدي يفتح يديه أمام من لا يعرفهم بشكل شخصيّ، لكنّه يتماثل مع آلامهم ومصيرهم القاسي، ويتبنّاهم كقسم من عائلته الموسّعة، قسم من الشعب نفسه ومن الرواية نفسها. إن رواية عابدي هي سلسلة من الاحتواءات والفهم للمصائر المتداخلة الواحد بالآخر لمَن تمّ رفضهم وإهمالهم من قبل السلطة، إقصاؤهم من الخطاب المهيمن وإلقاؤهم في مصيرهم المجهول.
الرسم 15 فاطمة أبو شرش، مُقيمة غير قانونيّة، 2012 طباعة شبكيّة وأكريليك على ورق 60X85 سم |
الرسم 16 امرأة من قرية بدوّية غير معترَف بها في النقب، 2011 ألوان مائيّة وأكريليك على ورق 60X90 سم |
الرسم 17 في غرفة الاعتقال، 1986 مونوتيب وألوان طباعة على ورق 50X70 سم |
إنّ استخدام عابدي للصورة في هذا السياق الخاص بالعائلة هو استخدام شديد الأهميّة. ففي حين أنّ السلطات تتعاطى مع الفلسطينيين تحت خانات وتسميات مثل “مقيم غير قانونيّ”، “معتقل”، “عضو تنظيم إرهابي” إلخ..، فإنّ الصّفة المرجعيّة العينية للصورة بكونها صورة تصرح عن نفسها ك”ما حدث”، ترمز إلى المصوَّر كشخص ذي وجه واسْم. لقد جمع عابدي صوًرا من ألبومه الخاص، صوًرا تم تصويرها في أستوديوهات مختلفة في حيفا، وكذلك صوًرا لشقيقته لطفية )صورة تمّ إرسالها من دمشق عام 1967 ( وعمّاته في عمان.لقد أدخل الصور ضمن النسيج، سواء أكان سجّادة منسوجة، قماشًا مُطرًّزا، تمائم مُحيطة بصورة والدته، قماشَ خيش يذكّر بأكياس الطحين الخصة بالأونروا أو ستائر الخيش المرتبطة بذاكرة الفنان من الحياة في مخيم اللاجئين. من الجدير بالذكر أنّ عابدي يستخدم قطعًا جرت خياطتها بمساعدة خيط وإبرة لغرض ربط الصورة بوجه سطح الخيش، وهو يخلق بذلك علاقات مركبة بين التمثيل والصنعة، المادّية والصورة. وهو يحوّل بيديه مجموعة المنسوجات )ومن بينها الصورة المطبوعة على الخيش( إلى حلبة من المشاعر المختلطة من القمع والتغييب، تشكل فيها المواد مجاًزا للمصير الإنساني، وتكون العلاقة اللمسيّة والميزات النسجيّة جوهرّية لمعناها.
أدراج: أسرار وقراءات
في الطابق السّفلي من الجاليري، المخفيّ قليلا عن الجاليري المركزيّ، تعرض سلسلة أعمال عابدي، الأدراج. الدُرج هو صورة متماثلة ثقافيًّا مع السرّية والخصوصية، المكان الذي يخبّئ الإنسان فيه وثائقه الشخصيّة، أغراضه الحميميّة وأسراره الدفينة. مثال يعتبر ريادًّيا في هذا الشكل لعرض الوثائق والأغراض الخاصة هو لوحة صموئيل فان هوغستراتن )الرسم 25 (. هذه اللوحة هي جزء من تقاليد عرض الأغراض البيوغرافيّة في لوحات t rompe l’oeil9
)تضليل العين( التي كانت سائدة خصوصًا في جانر الطبيعة الصامتة في الرسم الهولندي خلال القرن السابع عشر وفي الرسم الأمريكي في القرن التاسع عشر. في الحالتين، استخدام الأغراض الخاصة المعروضة على لوح )هوغستراتن( أو داخل دُرج )عابدي( يحقق هدفًا مُشابهًا – يستخدم الغرض كمجاز للتجربة الإنسانية وللسرّ الخاصّ، التفصيل البيوغرافي الذي يسعى الفنان إلى عرضه أمام ناظري المشاهد مع إبقائه أحجية دون تفسير.
الرسم 19 غزّة، 2008 دمية مهشّمة، دبق خزفي على قماش 70X10X80 سم |
الرسم 18 بلاطة من وادي الصليب، 2004 بلاطة مرسومة على جبس جيسو داخل دُْرج خشبيّ 43X46 سم |
الشعر المخبّأ في دُرج هو بالطبع استعارة كهذه. ولكن لدى عابدي، تعمل الأدراج، رغم أنها تحتوي على معلومات وصور شخصية، كعُلب عمودية، بمثابة خلايا مصغّرة فيها صور للنكبة، العائلة، الزمن الماضي، الرموز وبقايا الماضي، التي ترتبط بمواضيع وذكريات من الزمن المنصرم. أدراج عابدي معروضة بشكل عمودي. تتموضع الأدراج كعلبة ثلاثيّة الأبعاد تحتوي على المعروضات المختلفة. هذا الترتيب يمكّن المشاهد من النظر إلى مضمون كلّ دُْرج، التمعّن في الصور التي أخرجت من المخبأ، كما لو أنها استلّت من غياهب السرّية لكي تكشف المشاهد على الألم والمشاعر المركبة التي يريد أن يتقاسمها عابدي معه. الأغراض في الأدراج تراوح ما بين بلاطة أخذت من بيت مهجور في حيّ وادي الصليب )الرسم 18 (؛ تمائم للبركة والعلاج )الرسم 19 (؛ رزنامة انتهى وقتها، ساعة تتكتك وساعة متوقفة )الرسم 20 (؛ ألواح نحاسية، قلائد، جرس براغ وعزقات )الرسم 21 (؛ صور حجاب ومنديل وشبابيك محاطة بأباجورات خشبية )الرسم 22 (؛ خشبة بالية وحديد صدئ تآكل بأسنان الزمن وروائح البحر )الرسم 23 (؛ جبس مصبوب، مشبّكات بلاستيكيّة ومعدن مثقوب – هي جزء من الموادّ المستخدمة لتأليف رواية الأدراج. |
|
الرسم 20 الساعة توقّفت في 22 نيسان 1948 ، 2012 ساعة منبّه، كوفيّة، خرز، أكريليك وتمائم في دُْرج خشبيّ 34.5X44 سم |
إنّ الأيقونوغرافية المعروضة في الأدراج تطرح صورة النافذة المقفلة، التي تتكرّر في أعمال عابدي في سياقات مختلفة. النافذة المقفلة هي موضوع على الحدّ ما بين العالم الخارجي وعالم الداخل، في حين تخفي عن المشاهد من الخارج العالمَ الداخلي. في الوقت نفسه، إن النافذة المقفلة تشير، أيضًا، إلى المرأة المحجبة، التي تغطّي نفسها كي لا تُرى، لكن يمكنها التأمّل في العالم من موقعها المخفيّ )الرسم 22 (. على النقيض من الفكرة السائدة في )الغرب(والتي ترى في الحجاب وسيلة قمع تقلص من حضور المرأة في الحيّز العامّ، يربطها عمل عابدي بموقع ممكن من القيمة والقوّة انطلاقًا من موضع المتأمّلة الخفيّ.10
الرسم 21 مقذوف البحر، 2004 أصداف، حديد صدئ، قماش كوفية، جبس وأكريليك داخل دُرج خشبي 36.5X45 سم |
الرسم 22 حجاب، على أثر المرأة الأفغانيّة، 2011 نتوء ألومينيوم على لوح ماسونيت مثقّب داخل دُرج 41X40 سم |
الرسم 23 مخفيّات، 2011 لوح نحاس، خشب وجيسو داخل دُْرج خشبي 34X54 سم |
في دُْرج آخر، هناك قطع من الحديد المتآكلة )الرسم 23 ( التي حملتها أمواج البحر على امتداد سنوات طويلة قبل أن تقذفها الأمواج مُجدّدًا إلى الشاطئ، وهي تشكّل استعارة للوضع الفلسطيني – بشر تمّ أخذهم بعيدًا، نسيانهم، جرّهم من مكان إلى آخر في حال من الاقتلاع والطرد، ثمّ جرى قذفهم مجدّدًا إلى الشاطئ كحضور منسيّ عديم القيمة. إنها استعارة قوّية للمعاناة التي حدثت بفعل الطرد والنسيان. ولكن بالنسبة إلى عابدي، إنها نقطة الانطلاق، أيضًا. فهو يرفع المادة المنسيّة والمُهملة، يحميها ويخزنها. وهنا يودعها داخل أحد الأدراج كذاكرة وذكرى شخصية، ثمّ يعرضها إلى العالم.
________________
9.يُنظر مثلاً:
Thijs Weststeijn (2008). The Visible World: Samuel van Hoogstraten’s Art Theory and the Legitimation of Painting in the Dutch Golden Age, Amsterdam: Amsterdam University Press.
10.يُنظر:
David A. Bailey and Gilane Tawadros (eds.) (2003 Veil: Veiling, Representation and Contemporary Art exhibition catalogue London: Iniva in association with Modern Art Oxford Michael Leja (2004). Looking Askance: Skepticism and American Art from Eakins to Duchamp Berkeley, CA: University of California Press
11.حول فهرس المراجع، يُنظر: بارت، 1- 10 .
اللوحتان الأخيرتان تمّ تحضيرهما خصيصًا لهذا المعرض، وهما مهدّيتان إلى ديب علّو، لاجئ فلسطيني يعيش قرب دمشق )الرسم 26 (، وإلى شقيقة عابدي، لطفيّة، لاجئة فلسطينية تعيش حتى اليوم في مخيّم اليرموك على تخوم دمشق )الرسم 27 (. في رسم لطفيّة، دمج الفنّان عدة طبقات من الوعي والتمثيل، التي تستحضر في هذا المعرض ضمن عمل تلخيصيّ. خلفيّة اللوحة أشبه بطرف خيمة، خرقة مثقوبة مثبتة بجدار بواسطة حبال؛ الشكل التصويري يرمز إلى حضور لطفية من خلال الدالّ المرجعي11 لحضورها الحقيقيَ – هوّيتها كشقيقة لعابدي، وغيابها عن حيفا عمومًا، وعن حياة عابدي خصوصًا، على امتداد السنوات الخمس والستين الأخيرة.
لطفية، المموضعة بين البورتريه العائلي الحميميّ وصور أولئك النساء اللاتي سلب منهنّ اسمهنّ، مكانهنّ وهوّيتهنّ، تمنح بظهورها حضوًرا لمفاهيم مثل “لاجئة” و”غائبة” وفقًا للغة القانون. اللوحة نفسها تستخدم التذكير بأعمال من الماضي من خلال استخدام قماش الخيش، الكوفية وغرض ثلاثي الأبعاد يرمز إلى الحَمْل كتذكير بصورة الشخص الهارب في فترة خوف، فيحزم أغراضه الشخصية الأساسية للغاية، الأهمّ والأغلى في صرّة يحملها معه. كذلك، فإن لطفية مزّينة بنسيج مطرَّز وبتمائم شخصية لحمايتها. تلخيصًا، تشكّل صورة لطفيّة كمعلَم ومُلهم لأغلبية الأعمال المعروضة في المعرض. لم يتنازل عابدي اليوم أيضًا عن شقيقته الكبرى والمريضة، رغم أنه لا يستطيع أن يلتقي بها أو يراها. وهكذا، فإنّ القصّة الشخصية للرسّام هي مجاز للوضع الفلسطينيّ في الماضي، الحاضر وربّما في المستقبل، أيضًا.
|
||
الرسم 27 شقيقتي لطفية، 2013 تصوير، كيس خيش، أكريليك على قماش عربي مشدود بحبال 300X70 سم |
الرسم 26 ديب علّو، لاجئ فلسطينيّ في بغداد، 2013 تصوير، خرز، كوفيّة، حبال وتميمة على قماش عربيّ مشدود بحبال 300X70 سم |
{flike}
Ayelet Zohar Ayelet Zohar is an artist, independent curator, and visual culture researcher, specializing in the study of photography and contemporary arts in East- Asia. Recently, Zohar curated an homage exhibition to Nam June Paik at the University of Haifa (2013); Smashing!: Fragments and Deconstruction in Contemporary [Ceramic] Arts for the Benyamini Centre of Contemporary Ceramics in Tel Aviv (2012), raising questions concerning the presence of ceramics in the contemporary art field. In 2005 Zohar curated the exhibition PostGender: Gender, Sexuality and Performativity in Contemporary Japanese Art, Tikotin Museum of Japanese Art, addressing questions of sexual identity and gender characteristics in the work of Japan’s leading photographers and video artists. In the current exhibition, Zohar curated Abed Abdi’s work considering the wider context of Palestinian art in Israel, and the tension between the desire for personal-private creation, and the sense of urgency to contribute towards the collective struggle for the identity and status of Palestinian culture in Israel today. Zohar views the curatorial process as a new medium – an expansion of the language of installation art. In her academic research Zohar published a text on the pictorial language of Ibrahim Nubani, camouflage and invisibility; Zohar also researches the work of Hannah Farah, and its connection to the Kufur Bir’im tragedy in the context of architecture, archaeology and the archive. Recently Zohar has been researching representations of Muslims, Arabs and Palestinians in Japanese art. Zohar is a transdisciplinary artist who graduated from the Midrasha Art School (1986), Central Academy of Fine Art, Beijing (1996), and has a PhD from University of London (2007). She is a trans-media artist, exhibited in numerous one-person and group shows, her works are included in private and public collections in Israel and abroad. |