“عبد عابدي/ خمسون عامًا من الإبداع”، هو عنوان كَتَالُوﭺ إبداع الفنَّان عبد عابدي الذي صدر مؤخَّرًا في ثلاث لغات، عربيَّة وعبريَّة وانجليزيَّة، في مدينة حيفا، عن صالة العرض للفنون، أم الفحم، بإدارة الفنَّان سعيد أبو شقرة، حيث يُقيم العرض هناك. وقد حرَّرت الكَتَالُوﭺ أمينة المعرض الفنَّانة طال بن تسفي، وشارك وساعد في التَّحرير كلٌّ من رُبى حمدان ود. أمير عابدي والفنَّان عبد عابدي
يحمل الكَتَالُوﭺ بين ثناياه كامل أعمال الفنَّان مدى خمسين ربيعًا، آملين أن يكون هذا العمل فألُ خيرٍ لعمرٍ مديدٍ ولحياةٍ معطاءةٍ وغنيَّةٍ بالإبداعِ حتَّى يتسنَّى للفنَّان عبد تحقيق وانجاز ما نذر نفسه من أجله، الحرِّيَّة وكسر الحصار، وغرس الأشجار والأزهار في الأرض البور، حيث يكتب الفنَّان سعيد أبو شقرة في مقدِّمة الكتاب :”لا شكَّ أنَّ درب الفنَّان عبد عابدي تقاطعت مع درب جميع الفنَّانين، الذين سبقوه بقليل، لكنَّهم ترعرعوا معه، مثل الفنَّان الفلسطينيّ الرَّاحل إسماعيل شمُّوط، تمام الأكحل، وليد أبو شقرة، سليمان منصور، كمال بلاطة وغيرهم.
كان هؤلاء الرَّائدين في زراعة الأرض البور” (الكَتَالُوﭺ ص 8).
وتسهب أمينة المعرض الفنَّانة طال بن تسفي في مقدِّمةٍ موسَّعةٍ عن حياة الفنَّان عبد عابدي منذ أن كان يافعًا في حيفا وهُجِّر منها عام النَّكبة وعودته إليها وإلى البلاد حيث وجدَتْ يدُهُ القلمَ والرِّيشةَ والأوراقَ للرَّسم التَّعبيريّ والإيضاحيّ، ووجد نفسه في عضويَّته في الشبيبة والحزب الشُّيوعيّ، التي تركت بصماتها على فنِّه وتركت ريشتُهُ وقلمُهُ أثرًا كبيرًا على صفحات مؤلَّفات كبار كتَّابنا وأدبائنا وشعرائنا الوطنيِّين (الغلاف أو الصَّفحات الدَّاخليَّة)، كما وتحلِّل في مقدِّمتِها بعض الرُّموز في لوحات فنَّاننا وهدفه من رسم هذه اللوحة أو تلك.
تُجسِّد أعمال فنَّاننا عبد عابدي سيرة حياته الذَّاتيَّة منذ نكبتنا أو كما يُسمِّيها الأستاذ والكاتب المغترب ناجي فرح، اليوم الآخِر لشعبنا، ما بين التَّشَبُّثِ بالأرض والتَّشتُّتِ والنُّزوحِ عن الوطن إلى مخيَّمات اللجوء، مرورًا بمعركة البقاء وبأيَّام الكرامة المجيدة على مدى ستِّين عامًا.
تُزيِّن غلاف الكَتَالُوﭺ صورة من رسم الفنَّان عبد عابدي لإيكروس، الذي طار مع والده دايدلوس، هربًا من السِّجن الواقع في جزيرة كريت، إلى الحرِّيّة، بعد أن صنع الوالد لنفسه ولابنه أجنحةً من الرِّيش والشَّمع، حيث اشترط على ابنه ألا يبالغ في صعوده وطيرانه إلى القبَّة الزَّرقاء، لكنَّ الابن لم يُطِع والده، فحلَّق عاليًا، حتَّى أنَّه كاد يطال الشَّمس، التي حالت دون وصوله إليها، فقد أذابت حرارتها الشَّمع، وحرقت ريش أجنحته، فَخَرَّ غريقًا صريعًا في البحر، بينما سقط والده حيًّا في جزيرة صقليا، لكنَّ الفنَّان عبد يحاول تغيير أسطورة إيكروس ناجِحًا في بعثِ الأمل في النُّفوس..
يكتب د. أمير عابدي عن إيكروس في مقدِّمته للكتاب: “موضوع إيكروس المأخوذ من الميثولوجيا اليونانيَّة يظهر في عدد من أعمال عابدي. في أحد هذه الأعمال يبدو بلا جناحين ويطير فوق سطوح الأحياء الحيفاويَّة، يمدُّ طيَّارة ورقيَّة يحملها وخيطها الفضِّيِّ إلى البعيد وصولاً إلى رأس النَّاقُورة، النُّقطة التي عاد منها والدي مع أمِّه، أخيه وأخواته إلى مسقط رأسهم بعد أن عاشوا في مخيَّمات اللاجئين في بيروت ودمشق لمدَّة ثلاث سنوات..وفي أعمال أخرى يتحوَّل إيكروس إلى طفلٍ وسيمٍ يطير فوق العالم مع طائرته الورقيَّة، بالضَّبط كما يظهر في أعمال ليوناردو دَيفنتشي” (الكَتَالُوﭺ ص 33).
عندما نذهب إلى صالة العرض للفنون، في أمِّ الفحم، نطمح بذلك رؤية عمل وإبداع الفنَّان لنُمتِّع أعيُنَنَا ونغسلها برؤية أجمل ورؤيا أخرى تبعث الأمل في النُّفوس، كما نراها من خلال رسومات مبدعنا عبد، وحين تصدر الأعمال كاملةً في كتابٍ أو ألبومٍ تكون التَّجربة قد نجحت في محاولة إدخال صالة العرض للفنون إلى كلِّ بيتٍ (على أمل) من بيوتنا العطشى إلى الفنِّ الملتزم. وبهذا يكون إصدار مجموعة الأعمال قد حقَّق شيئًا من طموحنا أو شيئًا من مشاعرنا التي كنَّا نصبو إلى إبرازها، لأنَّ الفنَّ هو نوع من أنواع النِّضال ونوع من تسريع تطوُّر وعودة الوعي الصَّحيح الذي فقدناه أو الذي تاه في صحاري شرقنا ومغربنا العربِيَّين، ما بين بترول الحجاز ورمال بلاد البنغاز. يقول الشَّاعر الكبير سميح القاسم عن الفنِّ في افتتاح “المهرجان الدولي الثَّاني للتَّمثيل الصَّامت” في مدينة شفاعمرو، قبل عدَّة أعوام:”..هو خندق الشُّعوب الأخير. خندق الدِّفاع عن مُثل الحرِّيَّة والسَّلام والدِّيمقراطيَّة والتَّعدديَّة فلندافع عن هذا الخندق. وما دمنا نصون الثَّقافة، ونحمي الإبداع، فهذا دليل حيٌّ على أننا شعب حيٌّ”.
ويلخِّص شاعرنا سميح القاسم تجربة عابدي: “مرَّت تجربة الفنَّان عبد عابدي في ثلاث مراحل أساسيَّة، حتَّى الآن. كانت في البداية مرحلة الواقعيَّة الاشتراكيَّة الصَّلبة والحادَّة، ثمَّ دخل الفنَّان عبد عابدي حالة التَّرميز والتَّريُّث مع مكابدات الفنَّان الفرد والفنَّان المنتمي في آن، أمَّا المرحلة الثَّالثة فهي مرحلة المغامرة والتَّجريب الفنِّي واقتحام مجالات وآفاق إبداعيَّة أكثر إلحاحًا اليوم..” (الكَتَالُوﭺ ص 36).
إنَّ إبداع الفنَّان عبد عابدي هو عطاءُ فردٍ ذي موهبةٍ، نشأ واكتسب ثقافته من خلال عضويَّته في حركة الشَّبيبة الشُّيوعيَّة في حيفا وبعدها في الحزب الشُّيوعي الذي أرسله إلى جمهوريَّة ألمانيا الدِّيمقراطيَّة، درزدن، بعد أن حصل على منحة لدراسة التَّصميم الغرافيِّ والجداريَّات، حيث تطوَّرت موهبته هناك وزادت من آفاقه الفنِّيَّة، بعد أن تأثَّر في ألمانيا بأعمال كبار الفنَّانين الألمان ككيتا كولفيتش وبروفيسور غيرهارد بوندزين وليئا غرونديغ، حيث تكتب أمينة المعرض الفنَّانة طال بن تسفي عن لقائه بالأكاديميَّة غروندغ:” اللقاء بين عبد عابدي، شاب فلسطينيّ عمره 22 عامًا وصل للتوِّ من إسرائيل، وبين ليئا غروندغ معلِّمته في قسم الطِّباعة والنَّقش في أكاديميَّة درزدن للفنون، كان لقاءً هامًّا جدًّا بالنِّسبة إليه..اللقاء المفاجئ بين شابٍّ عربيٍّ من ضحايا النَّكبة وبين اليهوديَّة النَّاجية من الكارثة، جاء في سياق العمل المشترك السِّياسيّ والمعيشيّ بينهما، من حيث التزامهما بالعدالة الاجتماعيَّة واحتجاجهما ضدَّ الحروب والثَّمن الباهظ الذي تكلِّفه للبشريَّة جمعاء وبذلك، تأثيرها ليس مشتقًّا من سياق الثَّقافة أو التَّاريخ اليهوديَّين، وإنَّما من سياق الثَّقافة والرُّؤية الشُّيوعيَّة. فالهويَّة الشُّيوعيَّة الكونِيَّة وفوق القوميَّة هي التي أتاحت اللقاء والصَّداقة بينهما والتَّقدير الكبير الذي كان يكنُّه أحدهما للآخر” (الكَتَالُوﭺ ص 13).
لقد أنهى عابدي دراسته، وعاد في سنوات السَّبعين الأولى من القرن الغابر إلى الوطن الحبيب، فعَّالاً في الحزب ومؤسَّساته وفي جبهته الدِّيمقراطيَّة، وناشطًا شجاعًا بين جماهير شعبه العربي الفلسطيني، يحسُّ آلامه وسعادته ويجسُّ نبضه، فريدًا في أدائه ورسمه ونحته وتعليمه، عارفًا كيف يُخلِّد مأساة شعبه في الذَّاكرة الفرديَّة والجماعيَّة وكيف يُجسِّد الأمل بالنَّصر من خلال رؤيا طريقه الثَّوريّ لحتميَّة التَّاريخ والعدالة الاجتماعيَّة والتي أكسبته رؤية واضحة للأمور وتقييمًا صحيحًا لما حدث ولما سيحدث مستقبلاً.
فترى اليوم الآخِر لحيفا، يوم “..بداية لِقيامة في حيفا، قبل أن تتقطَّع أوصالها العربيَّة وتسقط بين أحضان مغتصبيها” (ناجي سليم فرح، ذكريات مهاجِرة، زمن يتكسَّر، ص 219). حيث يتجسَّد ذلك في رسوماته في الكَتَالُوﭺ “لاجئون في العراء” و”نوم في العراء” و”لاجئون” و”والدي على خلفيَّة التَّهجير في حيفا” وهذه الصورة هي رسم لوجه والده قاسم عابدي (أبو الدِّيب) حيث يُبرِزُ لنا عيني والده الحزينتين الدَّامعتين اللتين رأتا المأساة والمؤامرة والنُّزوح، وكذلك تجاعيدَ وشقوقَ وجهِهِ التي تُجسِّد الأسى والألم والحزن والشَّوق الحزين لعودة عائلته وباقي اللاجئين إلى وطنهم، حيث رسم على خلفيَّة صورة وجه والده الجماهير الغفيرة، آلاف النّساء والأطفال وقد تجمَّعوا بين أنقاض الهدم والرَّدم لمباني المدينة تاركين مسقط رأسهم حيفا، زاحفين، زرافات زرافات، نحو الميناء، باتِّجاه بوَّابة الميناء الرَّئيسيَّة، ليجدوا فيه الملاذ الوحيد والخلاص الذي لا مفرَّ منه، هربًا من الخوف والإرهاب الذي رسمه جيش الإرهاب وخطَّط له، لكي تبقى بلادنا فارغة من شعبنا! فارغة من أهل البلاد الحقيقيِّين، فلو كُنَّا أقوى من الخوف والتَّخويف وأفطن في كشف المؤامرات وأكثر لُحمةً لما ضاع وطن التِّين والزَّيتون والبرتقال.
وترى أيضًا لوحة “إيكروس” الذي يكسر قيود السِّجن والحصار ويطير عاليًا نحو حرِّيَّته لتلتقي بلوحة “رجال في الشَّمس” ولوحة “قيامة المسيح” الذي وطأ الموت بالموت (كما جاء في الكتب) بعد أن مرَّ بلوحة “درب الآلام” كي ينتصر على الظُّلم والظَّالمين وينصر شعبه المظلوم..ولكي يكسر “صمت البحر”، حين حمل كلُّ مناضلٍ دمه على كفِّه، وقد زيَّنت هذه اللوحة غلاف ديوان الشَّاعر سميح القاسم “دمي على كفِّي”.
كذلك تأخذ المرأة بجسدها ووجهها من أعماله حيِّزًا كبيرًا ومهمًّا، لأنَّ المرأة هي السَّخيَّة والمعطاءة، تتميَّز بعطائها الدَّائم الذي لا ينضب، فهي الخصوبة الوفيرة والكثيفة والتَّكاثر والولادة وهذا يبرز في العديد من لوحاته “متظاهرة”، كما نراه على ملصق “امرأة” وذلك بمناسبة يوم المرأة العالمي، “وامرأة وطفل في وادي روشميا” و”إمرأة في مخيَّم الشَّاطئ” و”امرأتان في العراء” و”أم وطفلان” وفي لوحة “التَّضامن”، المطلوب وكأضعف الإيمان، حيث يرسم صورة امرأة بعينين حزينتين ومتوقِّدتين نورًا وقوَّةً، تحمل أبناءها وأملاكها وورودها وأغلالها على صدرها وتتحدَّى الرِّياح العاتية التي تحاول أن تُطيِّر منديلها، وتُغلق يديها عليهم بإحكام، خوفًا من الضَّياع، وترى خلفها الخيم والشَّتات وطائرَ النَّورس الذي يحضِّر الأمَّ وطفليها للطَّيران والتَّحليق بعيدًا عن المعاناة والغبن والتَّشريد والذُّلّ الذي لحِق بهم، كذلك رسم “امرأة من المخيَّم” كأنَّه يتذكَّر أخته البكر لطفيَّة قاسم عابدي بدوان في مخيَّم اليرموك في منطقة ضواحي دمشق، “دامعة” تحلم بالعودة والنَّصر وكسر الحصار وزوال الاحتلال..
يعرض لنا الكَتَالُوﭺ أيضًا أعمال الفنَّان عبد عابدي التي امتاز بها وتميَّز بها، كعمله الشُّجاع والطَّلائعي في تخليد شهداء يوم الأرض الخالد، حيث قام وزميله النَّحَّات غرشون كنيسبل بإقامةِ نصبٍ تذكاريٍّ مصنوعٍ من مادَّة الألمينيوم مطليٍّ بلونٍ يشبه لون الصَّلصال، في مقبرة سخنين إحياءً لشهداء يوم الأرض الستَّة، الذين سقطوا عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين دفاعًا عن الأرض وضدَّ مصادرة الأراضي وتهويد الجليل، في مجسَّم مكعَّب الشَّكل. فقد كتبا أسماء الشُّهداء السِّتَّة في المربَّع الأوَّل خير ياسين، عرَّابة البطُّوف، خديجة شواهنة، سخنين، رجا أبو ريَّا، سخنين، خضر خلايلة، سخنين، محسن طه، كفر كنَّا، رأفت زهيري، نور شمس، تحت شعار “استشهدوا لنحيا..فهم أحياء شهداء يوم الدِّفاع عن الأرض 30 آذار 1976”. وكُتب في المربَّع الثَّاني “المجد والخلود لشهداء يوم الأرض 30.3.1976” وكُتب بثلاث لغات العربيَّة والعبريَّة والانجليزيَّة “صمَّمه عبد عابدي وغرشون كنيسبل تعميقًا للتَّفاهم بين الشَّعبين”. وفي مربع آخر من المكعَّب نُحِتت صورة امرأتين ثاكلتين، تغطِّيان وجهيهما بأيديهما وهما راكعتان، وصورة فلاحَيْن يجمعان الحصاد وثالث يحمل سلَّة الحصاد. ومربَّع يصوِّر فيه جُثَّتين، شهيدتين، سقطتا على الأرض ومن أجل الأرض، وقد أُلحق بالنَّصب المكعَّب التِّذكاري، محراث منفصل!
لقد آمن عابدي وما زال يؤمن بالعمل والنِّضال المشترك العربيِّ اليهوديِّ، وفَهْمِ الآخر وتجنيدِهِ لصالح قضيَّتنا من أجل السَّلام العادل والدِّيموقراطيَّة والمساواة، حيث يكتب الفنَّان غرشون كنيسبل بعد أن شدَّد على أهميَّة تعميق التَّفاهم بين الشَّعبين بعمله مع عابدي تحت عنوان كُنَّا كالحالمين: “فالمسُّ الخطيرُ بأحياءٍ بكاملها في بيروت، بسكَّانها، في حرب لبنان الثَّانية، ومأساة الفلسطينيِّين معدومي الحماية، ونسائهم أطفالهم ومسنِّيهم في حرب غزَّة، لم تغيِّر جميعها من وعي سكَّان صهيون..مرَّ 33 سنة منذ ذلك الحين، ولا نزال معزولين، لكنَّنا مؤمنون بدربنا، ولا بديل لهذا”(الكَتَالُوﭺ ص 37).
ويقول عبد عابدي: “وقد يكون هذا النَّصب الذي أقمناه في سخنين هو الشَّهادة والقَسَم في الانتماء الأبديِّ لهذه الأرض التي استصرخت أبناءها للدِّفاع عن أمِّهم الأرض”. وعن إيمانه العميق بالنِّضال المشترك العربيِّ اليهوديِّ يقول الفنَّان عبد عابدي: “وقد يكون عملنا المشترك، غرشون كنيسبل وأنا، تجسيمًا لفكرة التَّعاون الخلاق بين أبناء الشَّعبين من أجل أن لا تتكرَّر المأساة وأن يكون عمل الحاضر..أنصابًا للسَّلام ولتواجدنا المشترك على هذه الأرض” (يوم الأرض تاريخ ونضال ونصب تذكاري، مركز مساواة، ص95).
لقد رسم الفنَّان عبد عابدي بالفحم فكان فحمُهُ رصاصًا في عنق الذين يحاولون
طمْس الحقيقة وتغييبها أو سردها بصورة مغايرة أو تعليمها مُزَيَّفةً لجيلنا الصَّاعد ومزيِّفةً لتاريخنا النَّاصع الشَّريف والعزيز، قناعةً منه أنَّ الحقيقة واحدة لا جدال فيها، ولا تقبل التَّأويل.
كما أنَّه رسم بألوان الزَّيت الزَّاهية والمتناسقة والمنسجمة مع بعضها البعض، كذلك نَحَتَ في الصَّخر بأزميله ومطرقته مُفَتِّشًا وباحِثًا عن الحقيقة التي يجدها دائمًا ويُظهِرُها واضحةً ويُخرجها للنَّاس لتحارب كَذِب الآخرين وتلفيقهم لمسيرتنا ولقضيَّتنا.
ويصوِّر لنا الفنَّان عبد عابدي بريشته عطاء الشَّعب وتطوُّره وتضحياته الجِسام ومآسيه المروِّعة، الاحتلال والتَّهجير ويوم الأرض ويوم المسكن ومجزرة كفر قاسم..وبالتّالي فإنَّ فنَّ وإبداع الرفيق عبد لم يكن إنتاج فرد فحسب، بل هو إنتاج موهبته وحسِّهِ وفكره وقناعته النَّابعة من وحي وطنه وشعبه وحزبه وجبهته، فكان فنَّانًا معطاءً، لا ينضب عطاؤه ولا تجفَّ ريشته ولا يكلُّ ولا يتعب إزميله عن النَّحت في الصَّخر.
آمل أن يكون أبناء شعبنا على قدر هذا الحمل والعزم في تقدير وحماية ودعم ورعاية إبداع فنَّانينا، ليبقى فنُّنا جميلاً وحيًّا كي نحافظَ على دليلنا أنَّنا أحياء وأنَّ شعبنا حيٌّ وأنَّنا على قدر أهل العزم والكرم حتَّى تأتينا العزائم والمكارم..
وآمل أن تكون حياةٌ لمن ننادي، كي نستطيع الاستمرار في دعم الفنِّ الملتزم، ونساهم في إنجاح هذا المشروع الوطني المشروع. وبالمثابرة على هذا الطَّريق القويم الدَّاعم للفنِّ الملتزم، تَنبتُ وتُزهِر الورود والأزهار والأشجار في الأرض البور وتُبْنى لعودة لاجئي شعبنا الجسور..
حيفا