يهوشوع سوبول
ماذا أقول عن أحداث “يوم الأرض”، ذلك اليوم الأليم في الثلاثين من آذار 1976؟ سأسمح لنفسي أن أكرّر وأقول الأشياء نفسها التي كتبتها قبل حوالي شهر من “يوم الأرض” والتي نشرت في مجلة “حوتام” يوم الـ27 من شباط 1976:
“في الأيام نفسها التي فيها أشغل، بعض نواب العصبة القومية، برلماننا في محاولة لتحريف القانون الإسرائيلي بواسطة ميلودراما – يونداف، وحازوا على تغطية مهرجانية في وسائل الإعلام، في تلك الأيام كافة تظهر أكثر فأكثر علامات عاصفة لا بد آتية في مجال آخر، في مجال مصاب فيه الحق الإسرائيلي بمرض قاسٍ جدًّا، إن لم يكن عضالاً. ولكن مثلما يحدث في حياة الفرد، كذلك في حياة الجماهير: فقد فضلت وسائل الإعلام الإكثار من الحديث عن صراع عابر، وفي حالة وجب فيها الحديث عن المرض المهلك الآتي من أعماق الخلايا، فضَّلت وسائل الإعلام التزام الصم
“أقصد الانتفاضة التي بدأت تظهر مؤخرًا بين مواطني إسرائيل من العرب، إزاء وضوح عدم مساواتهم أمام القانون الإسرائيلي فيما يتعلق بأمور الأراضي. كما هو معروف، كانت هناك عدة محاولات قامت بها السلطات من أجل تنفيذ أوامر مصادرة أراضٍ تابعة لمواطنين إسرائيليين من العرب. واحدة جرت في كفرقاسم وأخرى في “منطقة 9” المشهورة. وإزاء هذا بدأت تروج إشاعات ومعلومات عن النية في تنفيذ مصادرات جماعية أخرى في العديد من قرى الجليل. لقد ذكر الموضوع بشكل سطحيّ جدًا على شاشة التلفزيون، كان بإمكان المشاهد أن يأخذ انطباعًا وكأن الحديث جارٍ على خلاف صغير حول موضوع لغويّ بين المستشار للشؤون العربية، شموئيل طوليدانو، وبين كائن غير واضح، والذي وجه إليه المستشار بعض الشقشقات الاستبدادية الضبابية التي كان يمكن أن يفهم منها أنّ الرجل غير موافق على شيء، غير واضح ما هو.
“والمواطن الساذج، الذي أشغل في تلك الأيام في “قضية يونداف”، لم يكن بمستطاعه أن يتكهّن بأن الحديث متعلق بعاصفة حقيقية تهدّد بإحداث هزة في الدولة. لا أحد أوضح له أن الغليان في القرى العربية إزاء تهديدات المصادرة يمتدّ ويطوق طبقات مختلفة من الشباب والشياب، من المتدينين وغير المتدينين، من المقربين لحزب “العمل” والمقربين من حزب “ركح” (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، على السّواء. لا أحد أوضح للمواطنين الإسرائيليين أنّ التهديد بالمصادرة وقع هذه المرة على أراضٍ… مختلفة عن الماضي، وإن الخوف من الطرد والتمرد ضده يشكل، منذ شهور عدة، نتائج لها مدلولاتها الكبيرة جدًا لدى مواطني إسرائيل من العرب. “تلفزيوننا، الذي يقوم بتغطية كل تضخيم لحياة عضو كنيست معين، لم ير أنه يجب تغطية ما يحدث في القرى العربية، أكان بتوسع أم باختصار، وأن يلمس مشاهدوه ما هي مدلولات الاجتماع الذي جرى في سخنين، والذي جذب إليه أكثر من عشرة آلاف من المشتركين، شبيبة وشبابًا ومتقدّمين في السنّ.
“لو قام التلفزيون الإسرائيلي بمهمّته كما يجب، لاندهش المواطن الهانئ من الاكتشاف أن خطر ضياع الأرض يولد في القرى العربية تقاربًا بين الشباب والشيوخ، يرافقه علامات انتفاضة قومية عارمة: في الاجتماعات التي جرت مؤخرًا في بعض القرى العربية اشترك فيها زجّالون أدّوا أغاني شعبية كانت تردّدها الجموع المشتركة بشكل جماعي. ولقد سمعت عن بعض الأصدقاء العرب توضيحًا لهذه الظاهرة أنهم هم أنفسهم مندهشون إزاء عظمة تلك الأحداث. “وللأمور جانب آخر، أكثر جدية وأكثر مسؤولية عندما تستمع إلى رئيس مجلس كفرقاسم، اسماعيل بدر، أو إلى محمود نعامنة، رئيس مجلس عرابة، إلى فرهود فرهود، من وجهاء الطائفة الدرزية، أو عندما تستمع إلى الشرح الدقيق والى الحقائق على لسان صبري خوري، يتضح لك أن خلفية المقاومة الشديدة والغليان الذي يهدد بالانفجار هذه المرة إزاء محاولات مصادرة الأراضي معقد جدًا، وفي الوقت نفسه بسيط للغاية. عندما تصغي إلى هؤلاء الناس، فأنت تفهم فجأة بساطة الموضوع: أمامك مواطنون إسرائيليون يشعرون أنهم ينتمون إلى البلاد والى الدولة، مواطنون إسرائيليون لا يملكون أي شعور بالانحطاط أمام أي مواطن إسرائيلي أخر، وليس هناك أي سبب يجعلهم يملكون أي شعور بالانحطاط، لأنهم يساهمون في حياة واقتصاد وأمن الدولة لا أقل من أي بنكي من “شيكون بابلي” أو مدير عام من “رمات اشكول”، وإنهم ببساطة، يطالبون بأن نفس الحق الذي يدافع عن الأراضي الزراعية لرجل “موشاب” “مئير طوبيا” يدافع أيضًا عن حقهم في أراضيهم.
“إن من يعتقد أن هذه المطالبة تشكل وقاحة، فعليه أن يعلن أن الجندي المسرح من يركا أو أن المزارع من عرابة مواطنون من الدرجة الثانية في دولة إسرائيل، مواطنون حقوقهم مطابقة لحقوق اليهود ومكانتهم كمكانة اليهود في الدولة التي وجد وما زال يوجد فيها يهود في وضع “المحمولين” ومواطنين من الدرجة الثانية. هل حقًّا أنّ تفسير الشعار: “تهويد الجليل” معناه تحويل المزارعين العرب في الجليل إلى نوع من “اليهود” بالمعنى غير السّامي للكلمة؟!
“إن الدلائل تتكاثر بأن هذه المرة أقر العزم في الكثير من القرى العربية على المقاومة بالقوة لتنفيذ القوانين التركية في دولة إسرائيل، والعلامة الأولى على ذلك أنه في كفرقاسم خرج حوالي 500 رجل وامرأة ومنعوا، بالقوة تسييج أراضيهم. وحسب أقوال إسماعيل بدر (رئيس المجلس)، فإنهم كانوا على استعداد للموت في سبيل أن يمنعوا المصادرة.
“في الحقيقة فإنّ الأمور خرجت من طور العلامات والإشارات. لقد قيلت علنًا في اجتماع شعبيّ عام، في مهرجان يهودي – عربي أقيم يوم السبت الماضي بحضور جمهور يربو على 300 شخصٍ في “بيت سوكولوف” في تل أبيب، اشترك فيه شباب عرب ويهود، إلى جانب أشخاص فضيي الشعور ومحروثي الجباه. لقد قيلت الأمور علنًا، وسُمعت الأمور كصرخة، أوقفوا الحماقة، أنقذوا البلاد من مجابهة خطيرة لا مكانَ لها. 300 شخصٍ أصغوا إلى الحديث، لكن وسائل الإعلام لم تكن هناك”.
حسب ما ورد فإنّ ما جاء أعلاه كتب قبل أسبوع وشهر من أحداث يوم الأرض عام 1976. واليوم، عامان بعد ذلك اليوم المأساويّ، ليس لديّ ما أضيفه سوى: منذ بدء النزاع اليهودي العربي كان هناك أناس، من أبناء الشعبين، آمنوا أن من الممكن أن يعيش اليهود والعرب في هذه البلاد، سوية، وبسلام، وليس أحدهم على حساب الآخر.
منذ بدء اللقاء بين الشّعبين كان هناك من آمنوا أنّ اليهود والعرب يستطيعون أن يبدعوا في هذه البلاد إبداعًا مشتركًا. وحاشا أن يبنى الإبداع اليهوديّ على أساس استغلال الإنسان العربي والشعب العربي.
مأساة هي أنّ إبداعًا مشتركًا مثل هذا، بين مبدع عربي ومبدع يهودي، يجد له تعبيرًا في نصب تذكاري من أجل ضحايا. والسّبب واضح؛ منذ بدء النزاع كان أنصار التفاهم والأخوة بين أبناء الشعبين أقليّة في وسط شعبيهما، وصوتهم كان كصوت الصّارخ في البرية. ويوم يكون إيمانهم إيمان الأكثرية – سيكون السّلام ويعمّ العدل شعبينا، والإبداعات المشتركة لأبناء الشّعبين ستجد لها تعبيرًا في كلّ نواحي الحياة، المادية والروحية، وليس في أنصاب لذكرى ضحايا الأحقاد (!).