لوحة غلاف الكتاب من نتاجه الفني الابداعي وهي “بعنوان نساء في تقاطع الألوان “
تشوكاكو هنغاريا 2021
العزيزة ناهد الزعبي، الحفل الكريم في ندوة إشهار كتاب “ذكريات في تقاطع الألوان”،
غاية المودّة والسعادة بتشريفكم لهذا اللقاء الهامّ إكراما لشخوص الروايةً ومسيرتهم، مسيرتنا الشخصية والجمعية، وللسيّدة الكاتبة ناهد الزعبي التي كتبت سيرتها الذاتية، ليس “بالحبر الازرق”، بل تعدّت الخطوط إلى الألوان واللونيات بالعين المجرّدة والواقعه في درجات لا تعد ولا تحصى. ولهذا نجد أنّ لغة الكلام في نصوصها هي لغة التشكيل البصري غير المألوف في سرد الحكاية أيضا.واسمحوا لي في هذه الندوة الهامّة، أن أصارحكم بأنّ مشاركتي للصديقة ناهد الزعبي، لم تكن ضمن المتعارف والمألوف بين الناشر المؤلف وبين المبدع البصري باستعارة “العمل الفنّي” لأجل تزيين النصوص المتراصّة، لتوسيع مساحة المتعة لعين المشاهِد، بل هي مشاركة وجدانيّة وإلهام إبداعي لكاتبة جريئة ورثت مَلكة الكتابة ضمن جينات فنية متوارثه عن والدتها، مع الإصرار المسبق على الخروج عن المألوف في ثقافتنا الموروثة، لضمان التمتّع المبالغ به، بسحر وقع الكلمة، والحرص الشديد بأن تبقى دون منازعإبداعي آخر.
وأن يبقى اصطلاح “الرسوم الإيضاحيّة” اعتباطا كما ورد في أدبياتنا ومصادر النيكوبيديا عامل توضيحي ليس إلّا.في سردها للحكاية تتطرّق الأديبة ناهد بعنونة لونية، وهي بالتالي رموز ودلالات مأخوذة من واقعنا المعيش، فالأحمر هو الخطر، والأصفر للانتظار، والأخضر لإتاحة المرور في الإشارة الضوئية، وجميعها مشتقّة من الأشعة الشمسية التي ننعم بها، وجميعها تكون سوداء إن دخلت جوف حوت النبي يونس عليه السلام.أثناء تداولنا حول الكتاب ونصوصه وغلافه، ارتأت الكاتبة أن تختار العمل الفنّي والملائم الذي يتفاعل مع روح النصّ، والذي رأت فيه جمعا للذاكرة البصريّة التي حوت عناوين السيرة، جميع ألوانها، وتماثلا موفّقا مع نصّ بصريّ فيه ايقاعات “باتوس” يتجاوب مع إشارات “المايسترو” في قيادته للأوركسترا.
في السرد النصيّ لوصف الحالة الفلسطينيّة في كتاب ناهد الزعبي، نجد مشاهد لونية في مصنف تبغرافي (طوبوغرافي) لألوان الأرض وبشرة الإنسان الفلسطيني الساكن فيه، بدءا من الجاعونة شمالاً، حتى أمّ الرشراش في أقصى الجنوب، فالأحمر القرميدي، والبني الفاتح “سيّينا”، والأخضر الزعتري والكموني والبرتقالي والأزرق السماوي وبياض الشيخ الرابض على هضاب الجولان، وسواد الحزن في لباس نساء صحراء سينا، وجميعها أيضا تشكّل “سكالا” لنشيد الحزن والفرح، كالمتشائل في أدبيات الراحل إميل حبيبي .
وقد تكون عناوين اللون المستعملة في سيرة موضوع الكتاب بالنسبة لناهد الزعبي، هي البديل لما استعمله الراحل إميل حبيبي في “سداسيات الأيام الستّة” و”المتشائل”، بالاستعانة ببعض أبيات الشعر وأغاني فيروز،لدعم ما كتبه في قصة “أمّ الروبابيكيا” و”بوابة ماندلباوم” وغيرها. تلك القصص حوت صورا لأعمالي أيضا، واكبت في مسيرة الإبداع مشاركة فعّالة في تلاحم النصّ الأدبي مع الإبداع البصري، وشاركت في تصميم أغلفة كتب ورسوم كتّاب خالدين منهم سميح القاسم، سلمان ناطور، محمد نفاع، وتوفيق فياض حنا إبراهيم، والكاتب الصديق ناجي ظاهر، وكذلك رسومات قصيدة “أنا يوسف يا أبي” للشاعر الراحل محمود درويش.
وللتذكير …دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة وفي قسم الغرافيك انتجت رسومات لأعمال الكاتب الألماني “برتولد بريخت” في قصيدته “أطفال في مسار الصليب” ورسومات لمقامات الحريري ورباعيات عمر الخيام، كان ذلك ضمن الحنين لاكتشاف المخزون الثقافي الذي افتقدته قبل قدومي لمدينة الإبداع “دريسدن” في ألمانيا الشرقية.تأثرت جدًا بمدرسة الواسطي وفنون “المينياتورة” المنمنمات الفارسية في زمن الخلافة العباسية في بغداد،تلك الفنون التي اخترقت جدار “الكلمة المقدّسة” بوسائط مشهديّة ليس كوسيلة إيضاح بل كوصف بصريّ مهيمن.
أنا على يقين أنّ نموذجا كهذا السرد المرهف الذي قدّمته لنا الكاتبة ناهد الزعبي، سيُضاف إلى سجّل إنجاز مبدعينا على امتداد فلسطين والدول المجاورة وما بعدها.كلّ التقدير لمجهودك العزيزة ناهد، السعي للمهنية والحرص على ما أنجزته والدتك الفنانة،وما أنجزته أنا، ضمن التلاحم بين الوصف الكتابي وما يتجلّى عبر الرؤى.والشكر كلّ الشكر لمجهود كلّ من ساهم في إنجاز هذه الأمسية الأدبية، وخاصة الصديق الكاتب فتحي فوراني المشارك فيها.ربما لن نلتقي إلى حين، لكنّنا حتما سنلتقي في إبداعك القادم.
تحية لكم جميعا، من “تشوكاكو”، القرية الهنغارية الوادعة.