وفاة ملك الروك وصناعة الالهة في امريكا

قبل ثلاثة أسابيع تقريبا غطت وسائل النشر والاعلام المرسلة من شواطيء الولايات المتحدة ، أنباء وفاة ومراسيم دفن ( مطرب الجيل )) ، ملك الموسيقى الصاخبة ، المغنى الفيس برسلي .

وقد صاحب نبأ وفاة برسلي الدرامي موجة من الحزن وعويل المعجبات وبكاء المعجبين ، وتوافد جموع عشاق ( المروك أند رول » الى
ميمفس » حيث يرقد جثمان برسلی في منزله ، ووصل عداد الجموع هذه الى حوالى ۸۰۰۰۰۰ انسان ، من زاحفين ومسافرين في الباصات ومتنقلين
في المطائرات الموضوعة تحت تصرف المعجبين لئلا يضيعوا الفرصة ، فرصة العمر ) ، المشاهدة برسلى المنائم أبدا والمصامت كاهل
الكهف الفيس مات ، وفى موته ماتت قطعة من امريكا ) : هكذا قيل في وسائل الاعلام الامريكية والعالمية . فمن يكون حقا هذا (( الاله » التي
تموت من أجله قطعة من الموطن الأمريكي ؟ ومن يكون حقا هذا الشاب البسيط الآتى من هضاب المسيسبي المذي رقص الملايين على أنغام
الروك أند رول » الصاخبة ، وألهب حماس الجماهير في رقصات على وقع المطبول والمزمور المشديدة ، وأوجع أجسام المتلوعين في هستيريا

قلما حدثت حتى في موسيقى المستيب ) و ( والمتشارلستون ) ؟
الفيس برسلي الاسطورة في سنة ١٩٥٦ خرجت من امريكا موضة جديدة في أسلوب المرقص والاداء الموسيقى تميزت بالمسرعة و ارتفاع المطنين والضوضاء في مصاحبة الصوت مع اندفاع هائل في اداء المرقص ابتداء من ( رجرجة » الارجل وحتى هز البطن والرقبة والمتلويح بالمرأس في انحناءات مبتورة مصحوبة بايحاءات جنسية تميزت بالعصبية حتى درجة ( الاكستازة » أو فقدان الموعى . و ( الروك اند رول » هي بالاساس موسيقى فولكلورية ، رقص وترنم على ايقاعها الفقراء من الزنوج والمزارعين في حقول الولايات المتحدة.
وقد تكون هذه الموسيقى شبيهة بوقع موسيقى الدراويش في المشرق العربي من حيث التنفيس والحد من وطأة البيئة الخارجية الاجتماعية
والتكفير عنها بواسطة ايقاعات تتميز بالمترديد والتكرار هذه المعطيات قد تكون ضرورية في

تعرفنا على الفتى الآتي من ضفاف نهر المسيسيبي الحامل معه جيتارة ومرتديا سروالا ضيقا ومزركشا على طريقة المقبائل المهندية ، وفي تسريحة
شعر ( جيمس دين ) المذي سبقه الى عالم السينما و ( مصنع النجوم ) هوليوود وفي الملحظة التي دخل بها برسلی الى عالم النجوم هذا بدأ نجمه في
الصعود بشكل سريع . بالطبع فان من أجل دخول برسلي صناعة النقود لا بد من مكياج ولا بد أيضا من مقاييس مثالية للرجل الأمريكي الذي يجيد
الابتسامة الجنسية ويعلك المتشيكلت » ويدخن « المالبورو »ويحسن سياقة سيارات ( الكاديلاك ) مثلا .
والفيس برسلي لم يكن سوى انسان بسيط ومن عائلة متوسطة الحال كانت مهنته – سائق سيارة كبيرة وقد أصبح في ليلة بلا قمر مليونيرا حسب المحلم الأمريكي وحسب طريقة البيزنس مان » الامريكية فقد سجل فتى المسيسبي المرقم القياسي في تسجيل الاسطوانات التي بلغ عددها ۳۰۰ مليون اسطوانة من موسيقى ( المروك » وكان بطلا ل ٢٣ فيلما موسيقيا !
تقول مجلة ( دير شبيغل » في وصفها حياة برسلى ان الخيال يكون عاجزا عندما يغمر شابا في الخامسة والعشرين من عمره العالم بموسيقى المروك أند رول » و « المبلوز » ويكون ذلك ممكنا بالطبع – تقول عندما يحسن برسلى الاداء المحلة في هزة المردفين وقرصة المعين الخضراء وفى انحناءة الفم الى اليسار قليلا و عندما تكون ابتسامته جنسية ومغرية .
غير أن المحلم الأمريكي يتوقف عند هذا الحد وتبدأ عملية المرقص الى الوراء كما في المسرحية الغنائية التي كتبها الموسيقار الفرنسي اوفينباخ في
حكاية ( أحاديث هوفمان ) أحاديث هوفمان هذه الرواية المغنائية تتحدث عن بطل مغرور يتحدث أينما وجد عن مغامراته وعن تحطيمه المقلوب الحائرة . لكنه وفي كل نهاية يقر أن مغامراته كان نصيبها الفشل الذريع . ويبدأ في حكاية اولومبيا » التي يعشقها من أول نظرة ويطلب يدها من ولى أمرها ويعشقها هوفمان بكل حواسه . وفي الحقيقة فان ( أولومبيا ) لم تكن سوی دمية ترقص بأوامر وصى أمرها بواسطة ( البراغي والزنبرك »
وتنتهى لعبة الحب عندما يفاجا هوفمان الشاب أن العشق والحب غير المتناهى ينتهى عندما تتحطم الدمية وتنفلت البراغي في كل اتجاه وبعد أن |
يقبض ولى الأمر الاجرة المستحقة وتنتهى باستياء هوفمان له قائمة ولا تقوم صناعة النجوم في امريكا لقد قيل في موت المغنى الفيس برسلی ، انه مات كموت النجوم ، فكما دخل عالم السينما سريعا فان موته مبكرا ( ٤٣ عاما ) قد يساعد أن يموت في ( عزه » والا فقـــــــد يتبهدل » كما يحدث مع الآخرين عندما نهبط أسعارهم ويشعرون أن هذا هو الحد في عالم الجشع الرأسمالي وان لم يمت الممثل او المفني بسرعة فكيف سيكون الحال ؟
لنأخذ مثلا ريتا هيوارت ومن لا يعرفها ؟ قد يكون هناك من الرجال من يندهش حقا عندما يتعرف عما جرى معها وكيف تبدو الان ؟
انها من أصل أسباني اسمها مرجريتا كانسينو ، كانت ترقص مع أبيها في المقاهي والمبارات الامريكية . وقد تجىء الصدف كما هي العادة فيتعرف عليها أحد المخرجين الكبار ، فتدخل ، بالطبع ، عالم الانوار بسرعة بعد ان تمر بعملية المقاييس والمعايير الأمريكية من تساريح الشعر وقلع الاسنان اذا كانت ناتئة الى الامام او الخلف ، وتبدأ عملية التجويع والتنحيف حتى يصبح ( التمثال » جاهزا .
وتصبح مارجريتا ريتا هيوارت من مشاهير النجوم في سنوات الحرب المعالمية وصورها كانت ملازمة لكل جندى ذهب الى الجبهة ، وملتصقة
على جناح طائرة الموت الذرية ، المتي افرغت حمولتها فوق نفساكي ، وكان اسمها الدارج ( جيلدا ) ، وهو اسم بطلة الفيلم التي لعبت ريتا
فيه الدور الرئيسي

واليوم كيف أصبحت ريتا مرجريتا الامس عجوز مدمنة على الكحول تشكو من الوحدة الشديدة ومن اهمال المؤسسات لها . بل أنها اليوم في مستشفى الامراض العقلية ، تقف أمام خالقها في انتظار النهاية . وان كانت النهاية هكذا فان مارلين مونرو قد وضعت حدا لحياتها عندما بدأت تشعر انها سلعة تجارية مغرية ليس الا . والامثلة كثيرة التي وان كتبت فقد تكون من باب التشفى بمصيرهم وهذا ليس المقصود بالتأكيد . بل الخلاصة أن تغلف الفنان الذى وصل المشهرة بورق ( السوليلويد )) قد لا يحمى المنجوم )). وحتى الملوك وسلاطين الدنيا من اختراق الشمس ، ومن الادراك ان ( جنة عدن )) ليست أبدية ، وأن مصانع البيزنس مان )) لیست الضمان والمكفيل ان تستمر في جمل فنانيها من بني البشر أبدا ودائما والمغنى الشاب الآتي من هضاب المسيسيبي الخضراء ، حاملا معه أنغام المصخب ، قد أدرك المنهاية فقد أقفل بوابة الفيلا الكبيرة التي يسكنها في ميمفس ولم يخرج منها الا
محمولا بعد أن أصيب بالامراض التي لم تمهله ، وبعد أن عصر كليمونة في مصنع النجوم ) في (( بلاد الاحلام )) و ( ام الدنيا » آمریکا .
امريكا الشعب الآخر ولكن هناك من المغنين من أدرك عجز النظام من توفير حتى أبسط الحقوق في ( بلاد الحرية ) ومنهم بول روبسون المغنى المزنجي التقدمي ، والملحن یار روبنـسون ، بيت سيجر ، وبوب ديلون الذين كافوا كل حياتهم . حتى تصل الكلمة المكتوبة والمفناة .
فقد غنوا لامريكا الضعفاء وأنشدوا عاليا : هالو أمريكا نحن امريكا الشعب الآخر – فهل تسمعوننا ؟
عبد عابدی *

source

Let your voice be heard! Share your thoughts and ignite the conversation. Your comments matter!

المشاركات الاخيرة

الخريطة التفاعلية لأعمال عبد عابدي الفنية في الفضاء العام
يوليو 28, 2025By
من عام 1962 حتى اليوم: إطلاق مكتبة عبد عابدي الإلكترونية وأبرز المحطات الإعلامية
يوليو 16, 2025By
المبدع الفلسطيني عبد عابدي..حاملًا ربيع الفن التشكيلي
يوليو 9, 2025By
دعوة لحضور حفل افتتاح المعرض Heartache מועקה ُو َجع
يوليو 1, 2025By
إقبال على معرض الفنان الفلسطيني عبد عابدي
مايو 20, 2024By
الفنان عبد عابدي… يروي حكاية حيفا في ذكرى احتلالها
أبريل 29, 2024By
لا يوجد هناك مكان: معرض في متحف الفن الحديث في فرانكفورت
مارس 25, 2024By
دعوة: أصوات من مشروع المقابلات “الفن في الشبكات” يوم 21 مارس في الألبرتينوم
مارس 18, 2024By
أصداء البلدان الشقيقة / بيت الثقافات العالمية في برلين
فبراير 10, 2024By
“على هذه الأرض” يجمع الفنانين العرب حول فلسطين
نوفمبر 27, 2023By

الأعمال الأخيرة

GDPR

اكتشاف المزيد من عبد عابدي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading