بقلم/ علي بدوان
الفنان التشكيلي الفلسطيني عبد قاسم عابدي، ابن فلسطين، فنان الشعب الرافض داخل الوطن المحتل عام 1948، الفنان الحيفاوي الأصيل.
أول الريشة، وأول الخط، وأول اللون، وأول اللوحة الفنية، وأول مدرسٍ للفنون التشكيلية في الداخل، وصاحب أول معرض للفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر في “تل ابيب” عام 1966م.
وهو الأول في هذا المضمار بين جموع شعب فلسطين في الداخل بعد النكبة الكبرى الأولى عام 1948.
انغرس في فلسطين التي رأى نور الحياة تحت شمسها قبل النكبة بسنواتٍ قليلة، وتحديداً عام 1942 في حارة الكنائس في البلدة التحتا من مدينته حيفا، فكان ومازال، زيتونة فلسطينية شامخة، استنشقت هواء فلسطين، وسار في نسغها ماء فلسطين من تربتها الطيبة.
واصل البقاء، مع أسرته، مع والده، ووالدته، وأشقائه وشقيقاته على أرض فلسطين، وبالذات في مدينة حيفا بعد النكبة، بالرغم من سيادة ماكان يُسمى بــ “نظام الحكم العسكري الإسرائيلي” الذي طوّق شعب فلسطين في الداخل بالأغلال والأسوار، حتى تم دحر هذا النظام اليومي عام 1966، بفعل نضال وكفاح شعب فلسطين، أو بالأحرى بفعل كفاح ماتبقى من شعب فلسطين في الداخل المحتل عام 1948م.
وعندها كان عبد عابدي أول فنان تشكيلي فلسطيني من الداخل يشق طريقه، ولينتقل إلى مدينة (درسدن) في ألمانيا (الشرقية) في حينها، ليدرس الفنون من أوسع أبوابها، وليعود الى وطنه رائداً من رواد الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر، في رحلة تواصل مع فناني فلسطين التشكيليين في ديار الغربية والشتات، وفي مقدمتهم شيخ الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، اليافاوي المرحوم إسماعيل شموط، وزوجته تمام الأكحل، والفنان الراحل اليافاوي أيضاً الصديق مصطفى الحلاج…وغيرهم.
قبل عدة أعوام أقام معرضاً تشكيلياً في مدينة حيفا، من وحي النكبة الأولى، ونكبة مخيم اليرموك، حيث شقيقته الكبرى اللاجئة (أم العبد)، التي عاشت النكبة الأولى، ومن ثم نكبة اليرموك، التي كانت أقسى وأشد مرارة عليها من النكبة الأولى. فكان لمعرضه الفني أصداء إيجابية في الداخل لجهة التضامن والتواصل بما تيسَّرَ مع شعبه في الشتات، حيث شقيقته الكبرى التي ناهز عمرها الــ (95) عاماً.
الذاكرة والتاريخ الفلسطينيين، لهما المكان الخاص والأساسي في كل أعمال الفنان عبد عابدي، وقد كتب عنه الشاعر سميح القاسم قائلاً: “منذ بداية الطريق، لفتت نظري ريشة عبد عابدي، بما اقترحته من استثنائية مميزه، ويوم طلبت منه لوحه لغلاف مجموعتي الشعرية الثانية أغاني الدروب في العام 1964، فقد لبى الطلب بحماس وبمحبه لأنه أحسن وأدرك مدى الانسجام الإبداعي بين ريشته المغموسة في الوجع القومي والوطني والإنساني للشعب العربي الفلسطيني، وبين القصيدة المفعمة بهذا الوجع، وجاءت لوحته تعبيرا قوياً وعميقاً وجميلاً عن الهاجس الشعري المتوهج في قصائد تلك المرحلة. عملنا معاً في صحيفة الاتحاد وفي مجلة الجديد ومجلة الغد وسرنا جنباً إلى جنب في المسيرات والتظاهرات، وتعرضنا معاً للقمع والاضطهاد، وتعمق لدينا شعور التكافل الفكري والوجداني والإبداعي، بحيث بدا دائما أن لوحته تسند القصيدة، بمثل ما تسند القصيدة اللوحة”.
وفي عام 1977، بعد أحداث يوم الأرض بسنةٍ واحدة، قرّرت سكرتاريا لجنة الدفاع عن الأراضي، إقامة نصب تذكاري يُخلّد اليوم وضحاياه.
الاجتماع الذي اتّخذ فيه القرار عُقد في بيت رئيس مجلس كفر مندا محمد زيدان وقد جاء بالإتفاق مع رئيس مجلس سخنين جمال طربيه.
في ذلك الاجتماع تقرّر، أيضًا، التوجّه إلى عبد عابدي لكي يأخذ المهمّة على عاتقه مع الفنان كينسبل.
فبلور الإطار الفكري البصري للنصب التذكاري وتوجّه للعمل على التخطيطات التحضيرية، والتي ضمّت أربع منها مجموعة النصب التي صدرت عام 1978، بعد إقامته في الأسبوع الأخير من آذار 1978، تمّ البدء بتشييد النصب التذكاري في مقبرة سخنين.
لقد فاز الفنان التشكيلي الفلسطيني عبد عابدي بجائزة فلسطين للفنون للعام 2019، فألف مبارك له، ولشعب فلسطين في الداخل المحتل عام 1948، في حيفا، وعكا، ويافا، والناصرة، ام الفحم، ومنطقة المثلث، والنقب، وعموم الجليل.
جائزة فلسطين للإبداع والفنون تتربع برمزيتها القوية الكاسحة، وليس بقيمتها المادية، فهي الصرخة بوجه الإحتلال، وبرسالتها المعنوية، التي تقول بأن الفن التشكيلي، بقيمته الإنسانية، ونبله، هو قيمة عليا، تحمل معها رسائل العدل والمساواة لشعبٍ مازال يئن تحت وطأة الجور والظلم الماحق الذي لحق به، ومازال يلاحقه، منذ تقسيم بلادنا بخارطتها الطبيعية عام 1916 بعد اتفاق سايكس بيكو.
أخيراً، الفوز، للفنان عبد عابدي، والفوز الأكبر لشعب فلسطين في الداخل، الشعب الذي بقي على أرض فلسطين، وصمد في وجه كل محاولات “الأسرلة”، معلناً انتماؤه للشعب العربي الفلسطيني الواحد الموحّد في الداخل والشتات.