
الفن سلاح تستخدمه فئات الشعب في نضالها الفكري والعملي من اجل الكفاح لنيل حقوقها المضمومة، ومن الطبيعي أن يكون هذا الفن موجها ومانزما وواضحا ومعبرا . في خضم الصراع الدائر بين القوى المستغلة والقوى المستغلة . وفيه ترتكز الخصائص الواضحة والمتباينة للفن التشكيلي الملتزم
لقضايا الجماهير في التغير لاجل بناء مجتمع افضل واذا أدركنا أن الفن التشكيلي والفنون الأخرى عامة ترتبط مصيريا بقضايا الجماهير فتستخدمه سلاحا روسيلة لنيل مطالبها وتحقيق أهدافها الاجتماعية ، كان علينا ان تقرر كيف نشأت تلك الظروف التي ساعدت على تطور المفهوم الاجتماعي والسياسي لفحوى رسالة الفن التشكيلي في القرن العشرين وتعميقه؟.
ان الفن الثوري المعاصر لم ينشأ معزل عن التطور الاجتماعي ، وعن الثورة العمالية المرتبطة جذريا بالحركات العمالية في الازمنة الماضية ، وفي عهد نشوء البرجوازية وتحول : هذا النضال الى نضال مسلح قامت يه الطبقة العاملة في أواخر القرن الماضي ، وفي انتفاضة كومونة باريس
التي ميزت روح الفترة الجديدة في حياة الطبقة العاملة لقد كانت الصفة العامة الرسالة الادب والفن في القرن التاسع عشر لاسرة الروح والضمير الانساني ،روصف الواقع الجديد الذي اصبح نفرد والمجموعة فيه دور هام ان هذا الدور ما لبث أن تحول الى اماية بدت فيه معالم واضحة وجلية
ن ضرورة تسلم الفئات الكادحة لسلطة واضفاء طابع توري ومشاير على عمل الادب والفن في أواخر القرن الماضي. وهذا الاتجاه المشيع
الطابع الانساني كان العامل الهام والموتر على الاتجاهات البنية التي اولدت فيما بعد . لقد تأثر الفنانون المبدعون بالمناخ الاجتماعي المتفتح وازدهار المصالح الرأسمالية التي بدأت تتطور في اتجاهات عديدة يقابلها أيضا تطوير اساليب الكفاح عند الطبقات الكادحة انتي وصل نقلها الى الانتفاضات.
المسلحة في العديد من البلدان الأوروبية ونحن نجد هذا الملمح في اعمال بيتهوفن وبالتحديد السيمفونية التاسعة المعبأة بالانتفاضة والتفاؤل –
الذي أخذ شكله في ايقاعات البون ونشيد الكورس وكذلك نجده في أعمال أميل زولا الادبية ، في رواية جرمينال » التي تتناول الأوضاع –
الصعبة التي يعيشها عمال المناجم في فرنسا وأحوال الطبقات الفقيرة ن المقدمة التي تحاول ايجاد الحل المشاكل الشقاء التي يعيشون فيها …
وقد اعتمد هذا الحل في اعمال الفكر والادب والفن أطار الواقعية و الرومنطقية من جهة واحدة ، والتثبت بالروح ( المثالية ) في أمكانية ايجاد دوافع انسانية من جهة أخرى ، تكون قادرة على التخفيف من حدة الظلم والاستبداد ونشر العدالة بين ابناء الشعب الواحد غير أن ذلك لم يغير ، بالطبع ،
من ان الفن الثوري استمد قوت وقاعدة نضوجه من هذا الاتجاه في الفن الواقعي الدمقراطي والناقدة .
الذي يصفه الناقد الالماني أوتريخ و هيرت بأنه تلك النزعة في اعمال الادب والفن التشكيلي التي هدفت الى رفع الظلم المستبد عن كاهل الكادحين ، في محاولة لايجاد صيغة مثالية لنظام تسوده المحبة والاخاء و تفسير القيم فى الجمال والقبح ، في الجيد والجميل فى اطار المجتمع الذي عاشوا فيه ، وهذا الاتجاه اعتبر ويعتبر حركة تقدمية هي نتاج تطور اجتماعي حتمي . والتغير الذي حدث والاساليب التي اتضحت في رؤية الفنان وفي المعاناة الحياتية لم تأخذ أبعادها الثورية الا بعد الانتكاسة الباريسية ونشوء الفكر الماركسي الذي ولد الثورات وفجر النقمة العارمة في ثورة العمال في روسيا وفي المانيا وهنغاريا وفي الدول الصناعية الأوروبية الاخرى
وهذا الجديد الذي حدث ، بلور المفاهيم ، وحدد معالم الانتماء الثوري كما نراه جليا في اعمال مكسيم غوركي الادبية واعمال الرسام ه. تسيله والرسامة كيتي كولوفيتش و اعمال النحات البلجيكي موينير والرسام فرانس ما سریل والشاعر الهنغاري الثائر باتوفيه وغيرهم .
وفي كلمات باتوفيه الشاعرية تتجلى الصرخة والهبة الشعبية التي نادى بها شاعر الهنغار : « أن هبوا واصرخوا ، فأنتم أيها الناس اصبحتم كالبحر الهائج يعانق السماء » ، وكذلك في اعمال کولوفيتش التي استطاعت ان تصور باخلاص الطبقة الكادحة ، ان تصور على درجة عالية من الاتقان والابداع حالات تلك الطبقة التي تركت انطباعات جديدة وفتحت للفنان المعاصر آفاقاً ومعالم عن الجمال والمثل ، في التحولات التي أوجدها الانسان
المعاصر ، بروح ثائرة وفي وقت أصبح : فيه للفنان قضية . هذا لم يقتصر على التحول الذاتي عند الفنان بل تعداه إلى التنظيم
الثوري في شكل نقابات تجمع الفنانين الثوريين. وهذه كان من واجبها اشاعة الفكرة السياسية عن طريق العمل الفني . وفي المانيا تنظمت
جماعة الأ. س. س. او » ) منظمة الفنانين الثوريين ) وضمت العديد من الرسامين الالمان وغير الالمان وكذلك جماعة الجسر بروكيه ) وجماعة ( باو – هاوس ) وهي مكونة من المهندسين والنحاتين والرسامين المبدعين وفي فرنسا وإيطاليا وجدت حركات مناهضة للحرب ومناهضة للتسلط
الاستعماري على المناطق المستعمرة ، وحركة الفنانين البروليتارية في اليابان ، وحركة « جون – ريد )) في الولايات المتحدة الى جانب
الحركات الادبية العديدة التي رأت في الماركسية اللينينية شعار الحرية والمساواة والتحرر من قيمة رأس المال الجشع .
الفن للجماهير *
كانت النظرة السائدة والتي كانت وسيلة من وسائل التضليل البرجوازي القائلة بمبدأ « الآن للفن » وبأنه من غير المعقول ربط الآن بقضايا « جانبية » لا تمت الى الان .بأية صلة واذا كان الفن التشكيلي طيلة عصور ماضية مسخرا في يد السلطة العليا للدولة ، فأنه تخطى مرحلة الانتماء المطلق ، وأصبح في مقدور الجماهير ان تستعمل الفن والادب لصالحها في دفاعها ونضالها من اجل بناء مجتمع افضل ان النظرة الماركسية اللينينية التفاعل الفن مع الجماهير كما يقول المفكر السوفييتي .. كاغان ،هي في الوحدة الدياليكتيكية بين الموضوعية العلمية والانتماء الحربي ،
وهي الوحدة القائمة في عملية التغير الهادفة في بناء المجتمع الاشتراكي .
وقد تخص الناقد السوفييتي ومفكر الثورة البولشفية اناتولى لونا نشارسكي موضوع الثورة والفن قائلا : ( على الثورة ان لا تكتفي بالتأثير على الفن ، بل هي في حاجة اليه ، الفن سلاح مهم في الدعاية الموجهة لان الثورة كانت تسعى الى ان تكون الدعاية الموجهة قريبة من الفن. وعلى الثورة ان تعطي الكثير للفنان ، ان تمده بمضمون جديد ، والثورة بحاجة الى الفن والفنان الذي ان عاجلا أو آجلا عليه أن يحرك تلك القوى الكامنة لمصلحة الثورة التي هو جزء منها .
