أن الفنون التشكيلية على أنواعها تعتبر المرأة الحقيقية والصادقة لحياة أي شعب من الشعوب، وإن رقي أي شعب يقاس بمدى تذوقه للفنون واندماجه معها ورؤيتها سلاحاً أساسياً في معركته ضد أي حاكم كاره للشعوب والحريتها.
واذا أخذنا فن رسم اللوحات الجدارية فأنه يعتبر من اعرق الفنون التشكيلية ، فاعمال المصريين القدماء الفراعنة – واليونانيين لهي افضل
مثال على استخدام الجدران وجعلها لوحات فنية خالدة ، فالمعابد الفرعونية والاغريقية تشهد على ذلك .
ان فن اللوحات الجدارية قد مر في تطور معين وحتى وقت قريب كانت اللوحات الجدارية مقصورة على المعابد والكاتدرائيات والمساجد
ويغلب عليها الطابع الديني مثل لوحات ال ( جويلين ) * و ( الفريسكو ) * . بتضاؤل تأثير العامل الديني ونمو الوعي السياسي أخذت الفنون
التشكيلية وبضمنها اللوحات الجدارية تأخذ طابعا جديدا وهو استخدام الفن سلاحا اساسيا في معركة الشعب ضد أي مساس بكرامة الشعب وسلب
حريته ، وان تشيلي الجريحة ، لهي أقدس مثال لمدى تفاعل الجماهير ووعيها عن طريق رسوم جدارية بلا كاردات ، فالفنانون والمثالون
التشيليون عبروا ويعبرون في اعمالهم الفنية عن الشعور القومي والانساني للشعب التشيلي وعن رفضهم لحكم الطقمة الفاشية !
وقد ناخذ بلاد المكسيك بواسطة رساميها الخالدين ، مثلا قد يقاس ليس بالوحدة الجغرافية ومساحة الارض وعدد السكان بل بضخامة القضية في وضع مسألة الجماهير وأمانيها في الحرية وتخليد تراثها الوطني المغني بواسطة اللوحات الجدارية من أعمال ديفورفيرا ، اورسکو ، سكيروس وغيرهم ،
الذين يعدون بحق (( رئيسانس ) ( نهضة ) القرن العشرين . وكانت انطلاقة فنون الحائط في المكسيك بعد كشف كنوز حضارات عريقة لشعوب ( المايا » و « الاينكا ) التي كانت حضارتهم شبيهة بحضارة الفراعنة في مصر والاشوريين في بابل والانطلاقة الكبرى التي ولدت ،
انبثقت حين اصبح للشعب المكسيكي قضية كبرى حارب فيها الاقطاع ورأس المال الامريكي ! . وبدأت رسوم الفنانين في أزقة الشوارع
و حانات الصناعة الاجنبية ومدارس الطلبة الحفاة
وقد قيل في الماضي ان المدرسة هي الشارع ، وقد يقال ايضا بأن من لا يملك متحفا او معرضا فقد يلقى المتحف في الشارع ، في قضايا
الجماهير العريضة المعروضة بلوحة حائط . وان شعبنا كأي شعب من الشعوب المحبة للحرية ، المؤمنة بنفسها ومستقبلها يرى في الفن سلاحا
أساسيا في جعل اللوحات الجدارية عملا فنيا خالدا يرمز الى نضال وصلابة هذا الشعب واذا أردنا التحدث عن اللوحات الجدارية في بلادنا فان أول من أدخل هذا الفن بشكل جدي للجماهير العريضة هو الفنان عبد عابدي ، فهو اعطى للوحة الجدارية الشكل والمضمون ، ورغم الامكانيات المحدودة
فانه استطاع بخبرته و دراسته ان ينقل ايديووجية هذا الشعب الى الحدران بشكل لوحات جدارية فنية رائعة !
واذا كانت اللوحات الجدارية في المدرسة الارثوذكسية العربية بحيفا وفى نادي الشباب بكفرياسيف قد نفذت ضمن اطار تعليم عبد عابدي دورات لبعض الرسامين الهواة فانها تعتبر البداية الصحيحة لانتشار اللوحات الجدارية في مدننا وقرانا وجعل الفن منتشرا بين جميع فئات الشعب وليس مقصورا على فئة معينة واذا كانت اللوحات الجدارية التي صنعت مكونة من بضعة أمتار فان اللوحة الجدارية الموجودة على حائط الملعب البلدي في الناصرة والتي تم تنفيذها ضمن اطار مخيم العمل لتطوعي الثاني في الناصرة تعتبر العمل الفني الأول من نوعه من ناحية الضخامة ، فطول اللوحة الجدارية هنا ۱۱۰ امتار وارتفاعها 3 امتار وهذه المساحة الكبيرة تحتاج الى خبرة فنية عالية ذات مواضيع ملائمة الى جانب کادر فني لا بأس به
وهنا تجدر الاشارة الى ان توصية وارشاد وخبرة عبد عابدي الى جانب الاجتماعات التي بادر بعقدها مع الرسامين كانت العوامل الحاسمة في
انجاح العمل الى جانب عمل الفنانين الآخرين والرسامين الهواة في تنفيذ الفكرة ، وقد شارك في لقاءات الندوة كل من الفنانين اسحاق داوود و خلیل
ربان و مروان ابو الهيجا . وقد شارك بشكل فعال في انجاح هذه المبادرة القيمة كادر من الفنانين وهم داوود حايك الطالب في جامعة حيفا قسم
المفنون التشكيلية ، والانستان غادة وديانا شلوفة الطالبتان في مدرسة عين هود الفنية ، والرسام تجيب گرام الذي انهى قبل مدة دراسته للفنون في ايطاليا ، والخطاط الفنان کمیل ضو من حيفا ، والشاب الفنان جميل عمرية من قرية ابطن ، والفنانان الاستاذ كميل ملحم و سلیمان سکس
من كفر ياسيف ، والآنسة عطاف جبران وبشارة مطر من الناصرة .
وقد توزع العمل على هؤلاء المشتركين وبرزت الاعمال الجيدة في تصاميم داوود حايك وأعمال نجيب کرام وديانا وغادة شلوفة وبشارة مطر
والجدير بالذكر ان لوحة الحائط المصنوعة من الألمنيوم والمثبتة على جدار قرب مبنى البلدية كان نتاج عمل مشترك للرسام عبد عابدي و کمال ملحم
واذا كان هذا العمل الضخم قد تم خلال ثلاثة ايام فباستطاعة فنانينا ان يملأوا مدننا وقراننا باللوحات الجدارية التي تعبر عن نضال وكفاح شعبنا ومدى تحمل هذا الشعب من مآسي ليعيش حرا كريما في وطنه . لنجعل كل ايامنا ايام عمل وكرامة ولنعط فنانينا القدر الذي يستحقونه لانهم روح الشعب الحية والمتجددة أبدا والتصرخ اعمالنا الفنية امام كل شخص في هذا العالم بأن هنا شعبا حيا وسيبقى هذا الشعب في وطنه رغم كل المكائد والاعاصير كميل ضو
جويلين: لوحات جدارية سجادية
الفريسكو – لوحات جدارية
بواسطة الوان ترابية
