العربية➤اختيار لغة الموقع ﹡﹡عبد عابدي: الموقع الرسمي والارشيف الرقمي ﹡﹡

رجال في الشمس

 

 

“دوّى الصدى داخل الخزّان فكاد أن يثقب أذنيه وهو يرتدّ إليه، وقبل أن تتلاشى دوّامة الهدير التي خلقها نداءه الأوّل صاح مرّةً أخرى:
– يا هوه..
وضع كفّين صلبتين فوق حافة الفوّهة واعتمد على ذراعيه القويّتين ثمّ انزلق إلى داخل الخزّان.. كان الظلام شديدًا في الداخل حتى أنّه لم يستطع أن يرى شيئًا بادئ الأمر، وحين نحّى جسده بعيدًا عن الفوّهة سقطت دائرة ضوء صفراء إلى القاع وأضاءت صدرًا يملؤه شعر رماديّ كثّ أخذ يلتمع متوهّجًا كأنّه مطليّ بالقصدير.. انحنى أبو الخيزران ووضع أذنه فوق الشعر الرماديّ المبتلّ: كان الجسد باردًا وصامتًا. مدّ يده وتحسّس طريقه إلى ركن الخزّان، كان الجسد الآخر ما زال متمسّكًا بالعارضة الحديدية. حاول أن يهتدي إلى الرأس فلم يستطع ان يتحسّس إلا الكتفين المبتلّين ثمّ تبيّن الرأس منحدرًا إلى الصدر، وحين لامست كفّه الوجه سقطت في فم مفتوح على وسعه. (غسّان كنفاني، “رجال في الشمس”، ص 97-98).

“[…] انزلقت الفكرة من رأسه ثمّ تدحرجت على لسانه:

دار حول نفسه دورة ولكنه خشي أن يقع فصعد الدرجة إلى مقعده وأسند رأسه فوق المقود:
– لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا؟
وفجأةً بدأت الصحراء كلّها تردّ الصدى:
–          لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزّان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟”.
(المصدر نفسه، ص 106).

رجال في الشمس
معرض رجال في الشمس يتعامل مع فنّ فلسطينيّ معاصر لفنّانين يعيشون ويعملون في إسرائيل. يستعير المعرض عنوانه من رواية بهذا الاسم للكاتب غسّان كنفاني. الرواية، التي صدرت في العام 1963,1 تسرد تفاصيل مسيرة يقوم بها ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يسعون للعثور على عمل في دول الخليج وتخليص أنفسهم وعائلاتهم من ظروف حياتهم القاسية. وبكونهم لا يحملون تصاريح المرور المطلوبة، يضطرّ ثلاثتهم إلى الاختباء قبل وصولهم إلى المحطة الحدودية ما بين العراق والكويت، داخل خزّان ماء فارغ تقوده الشاحنة التي تنقلهم. هنا، يقوم حرّاس الحدود في المحطّة بتأخير الشاحنة من خلال محادثة عبثية، والفلسطينيون الثلاثة يموتون في قيظ الصحراء اللاهب، عند أطراف مدينة غير محدّدة. وتنتهي القصّة بصرخة سائق الشاحنة: “لماذا لم تقرعوا جدران الخزّان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟”.

تجسّد قصّة اللاجئين الثلاثة مدى تعرّض حياة الفلسطينيين للأذى ومدى هشاشتها. كنفاني يؤكّد البعد المؤقّت السيء في وجودهم، حيث أنّه يتمّ فيه، أيضًا، نتيجة لفقدان الزمن أو نتيجة للزمن المعرقَل والمؤجّل، يُحكم عليهم بالموت ميتة شديدة القسوة.
في مقالته التي يضمّها هذا الكتالوغ،2 يشير أمل جمال إلى أنّ قصة كنفاني تعكس وعيًا مؤقتًا عميقًا يرفض التسليم بالواقع الذي نشأ بعد نكبة العام 1948. هذه الوضعية المؤقتة، أي استيعاب فكرة الزمن لدى الفلسطينيين، تقوم على إخراجهم من التاريخ، على إفراغ الزمن وعلى تأجيله. “كما أنّ الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم”، يكتب جمال، “يعيشون، أيضا، مشاعر النفي عن المكان والزمان بشكل يومي والغربة في وطنهم. واحدة هي التجربة العينية التي عاشها الفلسطينيون إثر النكبة، تجربة الزمن المُرجأ هي تجربة مشتركة للجميع، الحياة على هامش الانتظار دون أن يكون لديهم سيطرة عليها، والوجود في وضع خالٍ من استقرار طبيعيّ. جميع المجتمعات الفلسطينية أينما كانت، وبصرف النظر عن جودة حياتها، تواجه أزمة وتحدّي الزمن المُفرغ أو المُرجأ وتعيش حالة انتظار.”3 هذه الوضعية المؤقّتة، كما يدّعي، تنعكس في أعمال كتّاب وفنّانين فلسطينيين يتناولون تجربة الفقدان، التغريب، الاغتراب وتحدّيات الوضعية المؤقّتة في جميع أماكن وجودهم.
*
يتمحور معرض رجال في الشمس حول محورين من المعنى، واللذين يعودان ويتكرّران في الأعمال. المحور الأول، “في ظلّ الصمت”، يواصل الصمت المأساوي والمهلِك لدى اللاجئين الثلاثة في خزّان الماء، في قلب صحراء قائظة. الصمت في هذا السياق هو تعبير شديد الموثوقية للتوتّر اليومي والمستحيل الذي يرافق ظروف الحياة والعمل لدى فنّانين فلسطينيين. أمّا الوجه الآخر لعملة الصمت، فهو منظومة استعارية رمزيّة مشفّرة، تبتعد عن الواقعية الفنية. وعلى الرغم من أنّ هذه المنظومة الاستعارية تردّ، بشكل جزئي، على الأحداث التاريخية العينية، فهي مخفية بمعظمها ولا تظهر في التأويلات الظاهرة وفي الخطاب حول الأعمال.  
المحور الثاني، “الوضعية المؤقّتة كحيّز وعي فلسطيني”، يموضِع في مركزه تفكيرًا ذا طابع مؤقّت بالحيّز. فالعلاقة المتجسّدة بـ زمن-حيّز حاضرة في الأعمال، سواء في صور الخواء أو غياب الناس من محيط سكناهم، أو في صور الحيّز الشائك والمتاهة. إنّ الوعي للمؤقّت المتواصل أو الانتظار الواعي الطويل الذي يصبو إلى إحداث تغيير، حاضر في أعمال هؤلاء الفنانين منذ البداية، لكنه يتبدّل تدريجيًا بوعي جديد للمؤقّت بوصفه حالة طبيعيّة آخذة في السيطرة على كينونتهم.

حقل الفن الفلسطيني
الفنّانون الثلاثة عشر الذين يشاركون بأعمالهم في هذا المعرض هم فلسطينيون مواطنون في إسرائيل، ممن بدأوا نشاطهم في فترتين مختلفتين تمامًا في تاريخ الأقلية الفلسطينية في إسرائيل: أ. خمسة من الفنّانين – عبد عابدي (من مواليد حيفا، 1942)، أسامة سعيد (من مواليد نحف، 1957)، أسد عزّي (من مواليد شفاعمرو، 1955)، إبراهيم نوباني (من مواليد عكا، 1961)، عاصم أبو شقرا (من مواليد أم الفحم، 1961) – ولدوا إلى داخل واقع الحياة في ظلّ فترة الحكم العسكري التي استمرّت من عام 1948 وحتى إلغائها الرسمي عام 1966؛ ب. الفنّانون الثمانية الآخرون المشاركون في المعرض – فهد حلبي (من مواليد مجدل شمس، 1970)، ميخائيل حلاق (من مواليد فسوطة، 1975)، إسكندر قبطي (من مواليد يافا، 1975)، علاء فرحات (من مواليد بقعاثا، 1977)، ربيع بخاري (من مواليد يافا، 1980)، درار بكري (من مواليد عكا، 1982)، رأفت حطاب (من مواليد يافا، 1981)، وراني زهراوي (من مواليد مجد الكروم، 1982) – جميعهم ولدوا بعد حرب 1967.
فنّانو المجموعتين المذكورتين هم ذوو تحصيل علميّ فنّي رسميّ، وتقف أعمالهم في إزاء عدد من المعالم الهامة في التاريخ الفلسطيني المحلّي، مثل التوحيد الجغرافي واللقاء، من جهة، مع السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب عام 1967، أحداث يوم الأرض عام 1976، حرب لبنان عام 1982، الانتفاضة الأولى عام 1987، الانتفاضة الثانية عام 2000، حرب لبنان الثانية عام 2006، الحرب على غزة عام 2008، وكذلك في إزاء سياسات تمييز، ضربات وتقييدات من أنواع كثيرة، يمارسون في ظلّها حياتهم كأفراد وكفنّانين.
نتيجة للنكبة الفلسطينية والحياة تحت الحكم العسكريّ، بدأ فنّانون فلسطينيون بالعمل داخل حدود إسرائيل في فترة متأخّرة نسبيًا فقط، بعد نحو 25 سنة على إقامة دولة إسرائيل. ففترة الحكم العسكري فرضت عزلة قاسية على الفنّانين الذين بقوا في حدود إسرائيل. وجاء فرض حكم عسكريّ على معظم مناطق سكنى الفلسطينيين، بحكم أنظمة ساعات الطوارئ الانتدابية البريطانية، لغرض تقييد حرية التعبير والحركة وحرية التنظّم للمواطنين العرب، وهذا ما حدث فعلاً. وبناءً عليه، فبعد إلغاء الحكم العسكريّ فقط، بدأ شبّان فلسطينيون بالخروج لدراسة الفنّ في البلاد وفي الخارج.
إنّ سيرورة الجَتمعة (Sociolization) لدى فنانين فلسطينيين يدرسون في مؤسّسات أكاديميّة إسرائيلية، تُظهر عددًا من المميّزات ما بعد الكولونيالية: أوّلاً، لغة التعليم – العبرية – تضطرّ الفنّان إلى تطوير طرق تعبيره الإبداعية داخل محيط لغويّ غريب عنه؛ ثانيًا، هابيتوس (Ha’bitos) جهاز التعليم، أي سياقاتها الثقافية والفنية، مرسّخ داخل فضاء ما بين حقل الفنّ الغربي وبين ذلك الإسرائيلي، والذي على الرغم من مقولته المزعومة عن الكونية، هو حقل قوميّ، وهو ينظر في معظم الأحيان إلى الفنّان العربي الفلسطيني على أنه “آخر”. لكن، ليس فقط أنّ هذا الحقل ومنظومات القوّة الخاصة به لا تمثّل الفنان الفلسطيني، بل إنّها تقصيه وتمحو هويّته الثقافية الفلسطينية-العربية. في مدارس الفنون، ولاحقًا في منظومات العرض، التأويل والنقد، يلتقي هؤلاء الفنانون مع المعرفة “الشرعية” للثقافة القومية الإسرائيلية، وهي معرفة تتأسّس على ما يمكن وصفه بـ”إنكار النكبة” ورفض التاريخ، الثقافة والهوية الفلسطينيين. هذا الرفض مستبنًى، مدموجًا ومذوّتًا في المنطق الداخلي الخاصّ بحقل الفنّ في إسرائيل، والذي تبلور كجزء من المنطق الأوسع لتطوّر الثقافة القومية الإسرائيلية منذ إقامة كليّة “بتسلئيل” وحتى اليوم.
في مقابل هذه المعرفة “الشرعية” المُرسّخة في حيّز اللغة العبرية، يجري، ابتداءً من الخمسينيّات وحتى اليوم، نشاط ثقافيّ مثمر ومتنوّع في مجالات الأدب، الشعر والكتابة الصحفية في حيّز اللغة العربية. يستند هذا النشاط إلى نخبة عربية أدبية، يكثر ممثّلوها البارزون من نشر كتب نثر وشعر، ولكنّهم يكثرون، أيضًا، من الكتابة لمجلات وملاحق أدبية تابعة لصحف تصدر باللغة العربية، مثل: الاتحاد، الجديد، الغد، الصنارة، كل العرب، بانوراما وغيرها. إميل حبيبي، ميشيل حداد، سميح القاسم، محمد علي طه، محمود درويش، سالم جبران، وتوفيق زياد هم جزء فقط من الكتاب والشعراء الذين دمجوا معًا هذين الجانبين في أعمالهم. الفنّان والباحث في الفن الفلسطيني كمال بلاّطة، يشير إلى التأثير النصّي للأدب، الشعر واللغة العاميّة العربية على الفنّ التشكيلي. وهو يلاحظ ويشخّص في هذا السياق “تداعيات خفيّة للكلمات”، التي تحوّلت إلى مركّبات خفيّة في الفنّ الفلسطينيّ.4 وبالفعل، فالعديد من الأعمال المعروضة في هذا المعرض تشهد على وجود هذه العلاقة.
كما ذُكر أعلاه، ففي الظروف المقيّدة التي نشأت على أثر النكبة وعلى خلفية غياب الاعتراف السياسي الإسرائيلي بالهوية الفلسطينية، بدأ حقل الفن الفلسطيني في الداخل بالتبلور في فترة متأخّرة أكثر. إنّ فنّاني المجموعة الأقدم الخمسة الذين يشاركون في هذا المعرض يؤلّفون نخبة قادرة على تمثيل فنّانين بصريين يعملون وينشطون منذ السبعينيات، سواء في حقل الفنّ الفلسطيني أو في حقل الفنّ الإسرائيلي. غياب الاعتراف السياسيّ الإسرائيلي بالهوية الفلسطينية أدّى إلى قيام حقل الفنّ الإسرائيلي، حتى التسعينيات، بتعريف هؤلاء الفنّانين كفنّانين “عرب إسرائيليين”، وبهذه الصفة قام بدمج قسم منهم في معارض جماعية للفنّ الإسرائيلي في البلاد والخارج.
لكنّ الانتفاضة الأولى وعملية السلام التي بدأت في مطلع التسعينيات حدّدت نقطة تحوّل من هذه الناحية. فالخطاب حول أعمال أبو شقرة يعكس التغيير الذي مرّ به حقل الفنّ الإسرائيلي فيما يتعلّق بالتوجّه إلى الفنّانين الفلسطينيين خرّيجي مدارس الفنون في إسرائيل. وهكذا، ففي المقالات حول أعمال أبو شقرة من الثمانينيات يتمّ تعريف أبو شقرة كـ”فنّان عربيّ إسرائيليّ”، بينما في الكتالوغ الذي نشره متحف تل أبيب عام 1994، بعد رحيل الفنّان المبكر، تظهر التعريفات التالية الواحد إلى جانب الآخر: “عربي-إسرائيلي مسلم” و “عربي-فلسطيني-إسرائيلي”.5 هذا التغيير، الذي تمّ اشتقاقه من التحوّل الذي مرّ به وعي الفنانين الفلسطينيين خرّيجي مدارس الفنّ في إسرائيل، بخصوص تركيبة هويّتهم، كان تغييرًا تدريجيًّا ووصل الذروة بعد اتفاقيات أوسلو وبعد العام 19986، السنة الخمسين للنكبة. هذا التغيير الجدّي في الوعي السياسيّ تسرّب إلى وعي لاعبين أساسيين في خطاب وحقل الفنّ الإسرائيليين-اليهوديين، وزاد من اهتمامهم بالخطاب والحقل الفلسطينيين الموازيين ومن استعدادهم للانكشاف عليهما.
كانت اتفاقيّات أوسلو والعملية السياسية نحو إقامة دولة وطنية فسلطينية في مناطق السلطة الفلسطينية،  مشحونة جدًا من وجهة نظر الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، لأنّ تلك الاتفاقيّات بحثت في إيجاد حلول لمجموعتين فلسطينيتين أساسيتين – الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وفلسطينيو الشتات. ولكن في هذا الإطار، غاب الجدل حول مستقبل ومكانة الفلسطينيين مواطني إسرائيل. في إطار الأحداث لإحياء الذكرى الخمسين للنكبة (عام 1998)، طرحت للنقاش مشكلة اللاجئين وحقّ العودة، لكنّ مفهوم النكبة، كما تفهمه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، لا يزال غائبًا إلى حد بعيد عن مشاريع التوثيق والتخليد وعن الجدل العام الفلسطينيّ.
بعد اندلاع انتفاضة الأقصى وعلى أثر الأحداث الدموية التي وقعت في شمال البلاد وقُتل فيها ثلاثة عشر فلسطينيًا مواطنين في إسرائيل في أكتوبر 2000، توضّحت وازدادت حدّة المسائل الماثلة على أجندة الفلسطينيين الذين يعيشون في نطاق دولة إسرائيل: النضال المدني الفلسطيني على مساواة حقوق ومكانة الفلسطينيين مواطني إسرائيل وعلى الاعتراف بهويّتهم من جهة، والمطلب بنيل اعتراف من الشعب الفلسطيني الذي ينتمون إليه، من جهة أخرى. إنّ تذويت هذه المنظومة المزدوجة للانتماء المدني من جهة، والهوية الوطنية من جهة أخرى، قاد إلى التنصّل من تعريفهم كـ عرب-إسرائيليين وإلى استبداله بالتعريف: فلسطينيون مواطنو اسرائيل.
في العام 2006-2007، تمّ نشر أربع وثائق “رؤية” مستقبليّة حول مستقبل الفلسطينيين مواطني إسرائيل.7 في جميع هذه الوثائق تتكرّر الحجة التي تفيد أنّ الحيز العام الفلسطيني في العام 1948 هو حيّز منزوع من التاريخ. ومن هنا جاء المطلب الذي تضمّنته بالاعتراف بالنكبة، أي: بالرواية التاريخية وبمأساة الشعب الفلسطيني. لقد وصل الجدل حول الرواية التاريخية المميّزة للأقلية الفلسطينية إلى ذروته في العام 2008، في أحداث إحياء الذكرى الستين للنكبة، وأحدث تغييرًا جوهريًّا، أيضًا، في الخطاب الفلسطينيّ حول الفن الفلسطيني الذي يتمّ إنتاجه في إسرائيل. لقد عزّز هذا التغيير تعريف تميُّز حقل الفنّ الخاصّ بالأقلية الفلسطينية في إسرائيل، والواقع على التخوم ما بين حقل الفنّ الفلسطيني وحقل الفنّ الإسرائيلي، والذي ينشط فيه أكثر من 200 فنّان فلسطيني خرّيجي مدارس الفن في إسرائيل وفي صالات عرض في بلدات عربية في إسرائيل.8
معرض “رجال في الشمس” يجسّد تأثير هذا التغيير في الوعي على منظومات الإبداع والتأويل والنقد الخاصة بالفن الفلسطيني المعاصر في إسرائيل. وهو يقوم بذلك من خلال التطرّق إلى الجدل ما بعد الكولونيالي، الخطاب حول سياسة الهويّات والتمثيل الذاتي، علاقات مركز-أطراف، أسئلة إثنية وسيرورات عولمة دوليّة.  الفرضية الأساس للمعرض هي أنّه في أعقاب تحوّل الحلبة إلى حلبة أكثر تعدّديًّا ثقافيًا، فيمكن للفنّانين والفنانات – مواطنون ومواطنات، أبناء أقليات، سكان مناطق محتلة، لاجئون، مغتربون ومهاجرون – أن ينتجوا وأن يعرضوا فنًا معاصرًا بشكل مركّب ومتعدّد الأوجه أكثر فأكثر9.

ظلّ السكوت
“اختنق؟.. أتيت إلى هذا الكهف كي أتنفّس بحرية. مرّة واحدة أن أتنفّس بحرية!
في المهد حبستم عويلي. فلمّا درجت أبحث عن النطق في كلامكم، لم أسمع سوى الهمس.
[…] احترس بكلامك! احترس بكلامك!
أريد ألا أحترس بكلامي، مرّة واحدة!
كنت أختنق!
ضيّق هذا الكهف يا أمّاه، لكنّه أرحب من حياتكم!
مسدود هذا الكهف يا أمّاه، ولكنه منفذ!”.
(إميل حبيبي، المتشائل، ص 150).

هكذا يصف إميل حبيبي في كتابه، الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل،10 شعور الاختناق الذي سيطر على العرب في إسرائيل في الخمسينيات والستينيات. حبيبي يستخدم وسائل تعبير ساخرة واستهتارية بعيدة عن الواقعية الفنية للتعبير عن السكوت والإسكات، الكلام المُسكَت وصوت الصرخة.
إنّ التمثيل المتناقض للشيء وعكسه – الصمت كصرخة مجمّدة بفم مفتوح – يظهر في عدد من الأعمال في المعرض. وهكذا، مثلاً، في البورتريه الذاتي لدى إبراهيم نوباني، بدون عنوان، 2004، يبدو وجه يتحوّل إلى جزء من شجيرة تتسلّق وتنزل داخل فكّين مفتوحين يكشفان عن هوّة صفراء. كذلك، في لوحة عصام أبو شقرة، بورتريه ذاتي مع ربطة عنق، 1988، يتمّ عرض وجه الفنّان في حين تبدو ربطة العنق كغرض ثقيل الوزن، كجسم غريب، “يقطع” رأسه، وعلى ظهره ثلاث دوائر – عينان وما يشبه الفم المفتوح على اتساعه. هذا البورتريه بدون شفاه، لسان أو أسنان؛ منظومة الحواس ممحيّة عن وجه الفنان وهي تبقي دائرة كإشارة فارغة وعديمة اللغة. صوت الصرخة المكبوتة يخرج من أعمال أسامة سعيد، على سبيل المثال في الرسمة، بدون عنوان، 1992. في هذه الرسمة، جسد الضحية كلّه يستند إلى الذراع، ما يشبه اليد الضخمة التي تخلق مثلثًا وأساسًا للإسناد الجسديّ والنفسيّ. الفم المفتوح الذي يصرخ حاضر في أعمال ميخائيل حلاق. في الرسمة، بدون عنوان، 2008، يظهر الفنّان في قبعة صوفية، في حين أنّ عينيه مغمضتان جزئيًا، وهو ينفخ بخار أنفاسه الذي يموّه منطقة الفم إلى درجة محوه.
حالات السكوت وإمكانيات الكلام التي ترافق الأعمال، تثير في البال مفهوم الاختلاف Differend الذي رسّخه الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار، لغرض وصف فجوة غير قابلة للجَسر بين نوعيّ خطاب:

“تقوم حالة الاختلاف بين طرفين حين تكون منظومة المواجهة التي تضعهما، الواحد مقابل الآخر، قد نشأت في لغة أحدهما، بينما لا يمكن التعبير عن الغبن الذي يعاني منه الآخر بهذه اللغة […] المهدَّد ليس فردًا محددًا، وإنّما القدرة على الكلام والسكوت. […] الاختلاف هو الوضع غير المستقرّ ولحظة اللغة التي ما يجب أن يكون فيها قابلاً للتعبير عنه بالعبارات، لم يعد في إمكانه أن يكون كذلك بعد. هذا الوضع يشمل السكوت، وهو عبارة سالبة، لكنها تدعو، أيضًا، إلى عبارات ممكنة مبدئيًا”.11

إنّ الكلام المسكَت أو السكوت حاضران كظلّ ثقيل ليس في الأعمال الفنية نفسها فحسب، بل أيضًا، وبالضرورة، في ظروف الإبداع الفنّي. السكوت، بهذا المفهوم، هو تعبير موثوق عن التوتّر اليومي المستحيل الذي يرافق الإبداع الفلسطيني في الواقع الحياتيّ للأقلية الفلسطينية في إسرائيل. هناك موقف ساخر مشابه، كان عبّر عنه إميل حبيبي في أعماله الأدبية نحو التوتّر بين السكوت وبين إمكانية الكلام وخلق رواية تاريخية، وهو ملموس في عمل إسكندر قبطي وربيع بخاري، حقيقة، 2003. في هذا الفيديو يظهر الفنّانان كمرشدين سياحيين في يافا وهما يرويان “تاريخ” المكان كرواية مختلقة تمامًا، فيما يخلقان محاكاة ساخرة بديلة، يطلقان عليها ساخرَين اسم “حقيقة”.

الجدلية ما بين نصّ تاريخيّ مُفصّل وبين التمثيل الرمزيّ ملموسة في الرسوم التخطيطية لدى عبد عابدي التي ترافقت مع قصص سلمان ناطور “وما نسينا” (1980-1982) التي توثّق أحداث النكبة. الشخصيات الثقيلة والسوداء تُعرض في هذه الرسوم التخطيطية بوصفها حاضرة في الحلبة المجرّدة عديمة العلامات الجغرافيّة التي تقدّم تشخيصًا لحدث محدّد. التوتّر ما بين النص الذي يتناول العنف والفقدان اللذين وقعا في مكان وزمان محدّدين وبين الحيّز المجرّد، يشحن الرسم التخطيطيّ بمنظومة رمزية فوق زمنية، محلية وكونية، على حد سواء. هذا التوتّر ملموس، أيضًا، في الرسوم التخطيطية لدى أسامة سعيد التي جاءت بعد نحو سنة على الانتفاضة الأولى، عام 1988. تلك الرسوم التخطيطية، بالأكريليك على ورق، تصف انتفاضة الحجارة بثلاثة ألوان: بنيّ-أصفر، أحمر وأسود. هذه التشكيلة اللونية لجِرار يونانية ترمز إلى قصّة ميثولوجية حول القوّة والصراع. في العمل، بدون عنوان، 1993، هناك شخصية لامرأة مشدودة وكأنّها بمثابة جسر استعاريّ بين قوى الفوضى وبين العالم المنظّم الذي يحمل منطقًا داخليًا فيه. سعيد يشدّد على ثمن الألم الجسدي والنفسي الذي تدفعه الشخصية نتيجة لشدّ جميع عضلاتها بجهد متواصل لغرض صد القوى التي تهدّد عالمها.
قام أسد عزّي برسم أعماله التي في سلسلة “أم وطفل”، 1987، على خلفية الانتفاضة الأولى، وهي تقوم على منظور واحد يعود ويتكرّر فيها. ففي المنظومة الاستعارية التي يعرضها، هناك من الجهة اليمنى أم وطفل على شاطئ البحر، ومن الجهة اليسرى لاعبا كرة قدم، في حين تظهر في الوسط شخصية المجنون العاري. إنّ الذكورية التي تُعرض من خلال شخصية المجنون وشخصيّتي لاعبي كرة القدم لا تترجَم إلى سيطرة وقوّة من شأنهما تغيير مصير الشخصيات. فالاستعارة لا تقترح حلاً منطقيًا أو رمزيًا للعجز والهشاشة المعروضين في الأعمال، والشخصيات مثبّتة في نهاية المطاف داخل منظور من العنف الذي تجمّد. هناك عجز مشابه، يُلمس أيضًا في صور الصياد لدى أسد عزّي. العمل، صياد بنفسجي، 1985، يعرض صيادًا وحيدًا محاطًا بأمواج بحرية، وتبدو الأرض كأنّها تنحسر من تحت أقدامه وهو يبدو كأنّه يقف على الماء. في الرسمة “صياد في منظر جانبيّ”، 1985، يقف الصياد عاريًا وهشًّا بينما يبدو البحر المطليّ بلون أحمر قانٍ، أحيانًا، كنهر من دماء. إنّ الشعور بالهشاشة والعجز يتعزّزان في الرسمة “صياد”، 1985، التي يقف فيها صياد عار أبيض الشعر على حسكة وهو يمسك بيديه طرف صنارة/قضيب قصير جدًّا كمن يحاول ألا يقع في الماء. في رسومات الصيادين لدى عزّي، البحر ليس حيّزًا محميًا، بل إنّه حيز تعبيريّ يهدّد بابتلاع الشخصية الإنسانية التي تقف فيه بمنتهى وحدتها، عريها وهشاشتها.
بين السكوت والاستعارة، يتجسّد الشعور بالاختناق، العجز، والهشاشة التي يعبّر عنها إميل حبيبي في خرافية سرايا بنت الغول،12 التي تجسّد روايته الشاعرية-الساخرة لمثال المغارة الأفلاطونية.

المؤقّت كحيّز في الوعي الفلسطيني
“المؤقتية الطبيعية “، يكتب أمل جمال، “تفسح المجال لحدوث مصالحة مع احتياجات الحياة الفورية دون التنازل عن حقوق ومطالب الماضي. لا يفقد الماضي من قيمته وقوته من جرّاء التنازل عن استمرارية وجوده في الواقع المادي. انه مستحضر بشكل مستمر في الخيال الجمعي وأكثر من ذلك: إنه يزيد قوة من جراء تحويله إلى نوستالجي. من هنا فان الحنين إلى الماضي يتحول إلى عامل إدراكي يحرّك المستقبل دون الاستمرار بدفع ثمن الماضي نفسه. هذه مرحلة في تطور الوعي الفلسطيني لم تحظ بالشرعية الكاملة حتى الآن، ولم يتمّ التعبير عنها سوى بكلمات محمود درويش الشعرية أو الفنون المرئية التي تنجح في التحرر من قيود المحسوس وفورية التهجير والمنفى والتفكير في ميتافيزيقية الوجود الإنساني عامة، والفلسطيني خاصة”.13   
في الوعي لفكرة المؤقّت الذي يصفه جمال، تتجسّد العلاقة ما بين الزمان والحيّز. ويمكن رؤية آثار فكرة الزمن-الحيّز هذه في الأعمال التي يضمّها المعرض. الخواء، أي غياب حضور الناس في محيط سكناهم بالذات، يخلق توقًا لعودتهم أو زمنًا مؤجّلا في سلسلة من الشخصيات التي تقدّم نسخة عن هذا الغياب. الوصف الواقعيّ الدقيق للمباني يزيد من التأكيد على غياب الناس ويخلّد الحالة المؤقّتة بواسطة جعل هذه الحالة المؤقّتة حالة من الثبات أو الحاضر المستمرّ. هناك موضوع آخر هو الحركة في الفراغ كحركة في حيّز شائك أو في متاهة. هذه الحركة تعرقل التقدّم، وهي مرتبطة بعدم إدراك الشعور بالوقت وبتشوّشه.
في هذا السياق، ربّما يمكن التحدّث عن الوعي للزمن بواسطة “معمارية الحالة المؤقّتة” وحول المفاتيح المطلوبة لغرض فكّ قوانينها وبنيتها الداخلية. تظهر “معمارية الحالة المؤقّتة” هذه في سلسلة “بدون عنوان”، 2008، لدى درار بكري، التي يرسم فيها بنايات شارع تشلنوت في تل أبيب – يافا. سكان جنوب المدينة ليسوا حاضرين في الرسومات، وغيابهم يشحن الحيّز بشعور من الخطر وحالة الطوارئ، والذي يتمّ تعزيزه في العديد من الرسومات بواسطة طيف لون السماء في ساعات الغروب، المرسوم بلون ورديّ-برتقاليّ ينذر بالنهاية في ساعة غروب.
كذلك، فإن راني زهراوي الذي يرسم بأسلوب واقعيّ بتقنية الرشّ بالهواء المضغوك (Air Brush) يعرض محيطات سكن في قريته مجد الكروم دون أن يجعل فيها حضورًا للعنصر البشريّ. هذا الغياب يضفي جوًّا كئيبًا على الحيّز العام. هناك حالة طوارئ حقيقيّة حاضرة في عمله “طفولة”، 2008، الذي يظهر فيه بيت عائلة خطيبته، بعد أن سقطت عليه قذيفة كاتيوشا في حرب لبنان الثانية. زهراوي يصف المبنى في حين أنه خالٍ من البشر، بعد وقت قصير من إصابته بشكل مباشر.
في المقابل، يزرع عصام أبو شقرة، صورة حرش الصبر الشائك في حيّز مبعثر ينقصه المنظور المتقدّم. في إحدى رسومات الصبر، التي رسمها أبو شقرة عام 1988، تظهر بين الشجيرات خطوط تذكّر بشظايا الزجاج المكسّر الحادة؛ وفي رسمة أخرى، تظهر زهور الصبر الحمراء كبقع دماء. حرش الصبر الشائك لديه لا يمثل بنية وجنيولوجيا في منظومة ثابتة وهرمية للعلاقات في الحيّز. بدلاً من ذلك، تنقصه نقطة سيطرة ومنظور مركزي ويشير إلى كُثرة ومناهضة دائمة للإقليمية، وخصوصًا العنف المتواصل المستثمَر في الأرض بواسطة الثقافة وفي داخلها.
الحيز المبعثر الذي يفتقر إلى منظور دائم ملموس، أيضًا، في أعمال إبراهيم نوباني. في الرسمتين “بدون عنوان”، 2007، يبدو أن المساحة الهندسية تقبر تحتها المركبات الرمزية العينية التي ظهرت في أعماله السابقة. والنتيجة هي شعور بمتاهة ومصيدة، وبنية تفكّكت وانطوت داخليًا، مبقية وراءها فوضى وآثارًا.
يشير أمل جمال إلى أن الشعور بالمؤقت منوط بالتأجيل الطبيعي الوجودي “ولهذا، يتكوّن وعي جديد يدمج المؤقتية والطبيعية، ليس كمتناقضين يُمكن أن يقوّضا التوازن النفسي، وإنما كسمات يُمكن الدمج بينها في توليفة خاصة”. ويعنون جمال هذا التهجين بعنوان “طبيعية مؤقّتة”.14 هذا الوعي الهجين موجود، أيضًا، في عمل الفيديو لدى رأفت حطّاب “بدون عنوان”، 2008. في هذا العمل، يبدو الفنّان وهو يغرف الماء بدلو ويروح يروي شجرة زيتون وفي الخلفية يتمّ عزف أغنية “حبّ” للفنان اللبناني أحمد قعبور. ولوقت قصير، يبدو أنّ العمل يتناول مسألة الذاكرة، صورة شجرة الزيتون في الثقافة الفلسطينية كإشارة شاعرية وطنية إلى القرية الفلسطينية، لكن هذه الاستعارة تتقوّض بسرعة حين تبتعد الكاميرا وتكشف أن شجرة الزيتون وحطّاب الذي يقف إلى جانبها يتواجدان في مركز الباحة المرصوفة في ميدان رابين. هذا العمل يتناول تطبيع المؤقّت كشرط لمواصلة حياة الذات التاريخية وكشرط للشعور بمحليّة الفنان في المدينة الكبيرة.
تتجسّد الطبيعية المؤقّتة للعيش اليومي في عمل الفيديو المشترك لدى فهد حلبي وعلاء فرحات، والذي يقوم على عملهما كعاملي بناء. الفيديو Working day، 2009، يصف يوم عمل في منشأة بناء في موقع بناء يُقام فيه الكنيس الفخم للمهاجرين من جورجيا في مدينة أشدود. تنتقل الكاميرا من الأعمدة التي تزيّن المبنى ومن نجمة داود التي على واجهته إلى المحادثة التي تدور ما بين عمّال البناء الفلسطينيين تحته. تكشف المحادثة شهادة  بيوغرافية، سياسة هويّات ووعيًا طبقيًا. وتعرض جميعها هويّة فلسطينية مركّبة في ظلّ الاغتراب، التماثل والحنين.

ملخّص
معرض “رجال في الشمس” يضع في مركزه فنًّا فلسطينيًّا معاصرًا يتمّ إنتاجه في حقل ثقافيّ ذي ميزات ما بعد كولونياليّة لعلاقات الأغلبية-الأقلية وتوتّرات إثنية-قومية. في مقال “الرحلة إلى الداخل وظهور المقاومة”،15 يصف إدوارد سعيد نشاط الثقافة الذي يجري في إطار الكتابة ما بعد الكولونيالية كـ “رحلة إلى الداخل” – ما يشبه العمل المُهجّن الثقافيّ لمفكّرين من أبناء العالم الثالث الذين يكتبون بدافع الشعور بالملحاحية السياسية أو الإنسانية المتأثّرة من الوضع السياسيّ الذي لم يتمّ إيجاد حلّ له، والقريب جدًّا من مستوى سطح الأرض. الشعور بالملحاحية السياسيّة والإنسانية يميّز، أيضًا، السيرورة الفنيّة لدى الفنّانين الذين يشاركون في هذا المعرض. إنها سيرورة تقوم على تجربة حياتهم، على علاقات القوّة المميّزة التي في داخلهم والتي يعملون مقابلها، وعلى زاوية نظرهم وتأويلاتهم.
محورا المعرض “ظلّ السكوت” و “المؤقّت كحيّز وعي فلسطينيّ”، يعرضان في تنويعة من التصالبات منظومة مركّبة من الروابط، الإستراتيجيات البصرية والسردية والتأويلات باللغتين العربية والعبرية. هذه المنظومة تعكس حيّز الوجود الجدليّ للفنانين في التوتّر القائم ما بين “من الداخل” و “من الخارج”، بين “الانتماء” و “الآخروية”، بين حقول ثقافية قومية وبين حدود مُميّزة.
المعرض يعجّ بهذا التوتّر الجدليّ. وهو يحاول فكّ الدّرز الظاهرة والخفيّة التي تربط السكوت وإمكانية الكلام، المؤقّت والطبيعية، الشعور بالملحاحية الجماعية وموقف الفرد الذي يريد لنفسه مكانًا ليبدع ويعرض فيه، لكنه يسعى، أيضًا، إلى تغيير تاريخ التمثيل المشحون والمواقف النابعة منه وتحديد أفق للتغيير في ما يخصّها.>

Footnotes

1. غسان كنفاني، رجال في الشمس، منشورات صلاح الدين، القدس، 1976. [back]
2. يُنظر أدناه: أمل جمال، “الصراع على الزمن وقوّة “المؤقّت”: اليهود والفلسطينيون في متاهة التاريخ”: 19-08 [back]
3. المصدر نفسه: 8. [back]
4. כאמל בולאטה, “אמנים ישראלים ופלסטינים: מול היערות”, קו 10 (1999): 170-175. [back]
5. ألين غيينتون (قيمة معارض)، عاصم أبو شقرة، متحف تل أبيب للفنون 1994. [back]
6. كان هناك تأثير كبير لاتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على الفن الفلسطيني. الشعور بمدى معيّن من السيادة أدى إلى إقامة مراكز ثقافية وغاليريهات للفنون مثل غاليري أناديل (أقيم عام 1992)، مركز الواسطي للفنون (أقيم عام 1994)، ومركز المعمل الثقافي (أقيم عام-1997), وهي جميعًا في القدس؛ مركز الفنون خليل السكاكيني (أقيم عام 1996)، غاليري زرياب (أقيم عام 1998) ومركز القطّان (أقيم عام 1998) في رام الله: غاليري الكهف الناشط في المركز الدولي للفنون في بيت لحم (أقيم عام 1995). وتتواصل سيرورة إقامة مؤسّسات الثقافة والفنّ حتى اليوم، وفي عام 2005، أقيم غاليري آخر في القدس، غاليري الحوش، وفي 2008 تمّ تنظيم البينالي الأوّل للفنّ المعاصر في رام الله. [back]
7. “الرؤية المستقبلية للعرب في إسرائيل” من قبل اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية في إسرائيل؛ “الدستور الديمقراطي” من قبل عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل؛ “دستور مساواة للجميع” من قبل مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل؛ “وثيقة حيفا” من قبل مركز مدى، المركز العربي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية. يُنظر: http://www.mossawacenter.org/default.php?lng=1&pg=13&dp=1&fl=19  http://www.adalah.org/heb/constitution.php
     http://www.mada-research.org/hebrew/index.html http://soc.haifa.ac.il/~s.smooha/download/Arab_Visionary_Documents.pdf [back]
8. عام 1994 أقيمت في قرية جولس جمعية إبداع التي أقامت غاليري في كفر ياسيف عام 2007 (يُنظرhttp://www.ibdaa-art.com)؛ عام 1996 بدأت حانا كوفلر بنشاط فني في بيت الكرمة في حيفا وهو يشمل مشاريع سنوية مثل معرض “أسبوع الثقافة العربية” ومعرض “عيد الأعياد؛ عام 1996 أقيم غاليري أم الفحم للفنون في أم الفحم (بإدارة سعيد أبو شقرة) (ينظر: http://www.umelfahemgallery.org)؛ عام 2000 أقيم غاليري هاجر للفنّ المعاصر في يافا (قيمة المعرض: طال بن تسفي) (يُنظر: www.hagar-gallery.com)؛ عام 2005، أقيم غاليري للفنون في طمرة (القيّم: أحمد كنعان)؛ وفي عام 2006 أقيم الغاليري البلديّ في الرملة وكذلك غاليري في رهط. حول صالات العرض هذه يُنظر بتوسّع: טל בן צבי, “שונות מתוך אחדות: אמנות פלסטינית עכשווית”, בתוך: ג’מעה – כתב-עת בינתחומי לחקר המזרח התיכון, אוניברסיטת בן גוריון בנגב 2009. طال بن تسفي، هاجر- فن فلسطيني معاصر، تل أبيب-يافا 2006. [back]
9. تم إنتج معرض “رجال في الشمس” حول نواة الفنّانين الذين عملوا في سنوات السبعينيّات والثمانينيّات، حيث إن معظم الفنّانين في تلك الفترة كانوا رجالاً، وقد واصل المعرض التطوّر من تلك النواة إلى أهمال مجموعة من الفنّانين الشباب. لكن، من المهمّ الإشارة إلى أنّ دخول فنّانات فلسطينيّات بشكل لافت وجديّ إلى هذا المجال، تمّ في أواخر سنوات التسعينيّات، حيث يطرحن مسائل جندرية توسّع من الجدل ما بعد الكولونيالي بكلّ تركيباته. حول أعمال فنّانات فلسطينيّات، يُنظر بتوسّع:
طال بن تسفي، فلسطين (ه)– فنّ نساء من فلسطين [1999]، يُنظر:
http://www.hagar-gallery.com/Catalogues/palestina.html
طال بن تسفي وياعيل ليرر [محرّرتان]، بورتريه ذاتي، فنّ نساء فلسطينيات [تل أبيب، 2001]؛ طال بن تسفي، شرق أوسط جديد – 11 معرضًا فرديًا في غاليري صندوق هاينرخ بيل [تل أبيب، 2001]؛ طال بن تسفي وموران شوف [محرّرتان]، سمراء، 16 معرضًا فرديًا في غاليري صندوق هاينرخ بيل [تل أبيب، 2003] [back]
10. إميل حبيبي، المتشائل: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل، دار الجليل للطباعة والنشر، دمشق 1984. [back]
11. ז’אן פרנסואה ליוטאר, “‘הדיפרנד'”, מצרפתית: אריאלה אזולאי, תיאוריה וביקורת 8 (קיץ 1996): 142-146. [back]
12. إميل حبيبي، سرايا بنت الغول، دار رياض نجيب الريس، بيروت، 1988. [back]
13. جمال، “الصراع على الزمن وقوّة “المؤقّت”: 08. [back]
14. جمال، المصدر نفسه: 08. [back]
15. إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، 1998. [back]

 

Let your voice be heard! Share your thoughts and ignite the conversation. Your comments matter!

المشاركات الاخيرة

الفنان عبد عابدي… يروي حكاية حيفا في ذكرى احتلالها
أبريل 29, 2024By
لا يوجد هناك مكان: معرض في متحف الفن الحديث في فرانكفورت
مارس 25, 2024By
دعوة: أصوات من مشروع المقابلات “الفن في الشبكات” يوم 21 مارس في الألبرتينوم
مارس 18, 2024By
أصداء البلدان الشقيقة / بيت الثقافات العالمية في برلين
فبراير 10, 2024By
“على هذه الأرض” يجمع الفنانين العرب حول فلسطين
نوفمبر 27, 2023By
البرتينوم: رومانسيات ثورية؟ تاريخ الفن العالمي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية
أكتوبر 31, 2023By
ترميم جدارية عبد عابدي في حيفا
أغسطس 10, 2023By
مجموعة تشوكاكو: رحلة ألوان
أغسطس 6, 2023By
بلد من كلام الحلقة السادسة: عبد عابدي
يوليو 10, 2023By
بلاد الكلمات”: بودكاست جديد باللغة العربية من جامعة برلين الحرة يجعل الشخصيات الرئيسية في الأدب الفلسطيني قابلة للسماع
يوليو 10, 2023By

الأعمال الأخيرة

GDPR

اكتشاف المزيد من عبد عابدي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading