
بقلم ناجي فرح
عندما دعت جنه الاكاديميين في شفاعمرو الفنان عبد عابدي الى اقامة معرض الرسومه في المدينة كانت تدرك أن النجاح مضمون رغم ان هذا الحدث الفني هو الأول من نوعه فيها .لكن تجاوب الاهلين أزرى بتفاؤل المتفائلين وأثبت ان في صميم هذا الشعب تقديرا.كبيرا لكل فنان يلتزم بقضية
شعبه فيلتحم فنه بضمير الجماهير ووعيها . ولعل الحشد الكبير الذي لبى الدعوة إلى افتتاح المعرض ليلة الجمعة الغائبة كان تعبيرا صحيحا عن
روح شفاعمرو الاصيلة وردا هادنا على الظواهر الطائفية التي كثيرا ما يستغلها المستقلون المآرب في نفوسهم . فقد كنت تجيل النظر فتجد أمامك
في قاعة المدرسة الانجيلية الاهالي من مختلف الطوائف والاتجاهات، كهولا وشبانا ، رجالا ونساء ، يستمعون باهتمام بالغ الى كلمة الافتتاح التي
القاها القس شحادة شحادة ، ومن بعدها الى كلمة الفنان عبد عابدي . كان القس شهادة موفقا في طريقة تعريف الحاضرين بالفنان وتقديمه اليهم
كانسان نبت في شعبه فرای بام عينه ما حدث ويحدث له ولوطنه من تشريد وظلم فانز رعت صور هذا العذاب في مخيلته وخرجت منها على
ریشته التي أبدعت بفن رائع عمق المأساة » ، ثم اضاف القس ( ان رسم عبد يتطور مع تطور القضية العربية الفلسطينية » . وبين انه
يلاقي استحسانا في هذه البلاد وخارجها، فهو عضو في رابطة الفنانين الاسرائيليين وحائز على جائزة شتروك التي تمنحها بلدية حيفا لفنان السنة
في اسرائيل ، وعلى جائزة العمل الاشتراكي من المانيا الدمقراطية ، وكذلك على جائزة تقديرية لاشتراكه في مهرجان الشبيبة في برلين
اما عبد عابدي فقد شرح باسلوبه الهادي البسيط منطلقاته الفنية والاسس التي يعتقد انها اسهمت في بلورة وجهة نظره .. وقد يكون حديثه
عن ذكرى لجوئه إلى لبنان سنة ٤٨
وهو بعد طفل لم يبلغ العاشرة وانضمامه الى كتل اللاجئين التي تكومت كالاشلاء في المخيمات خارج وطنها يفسر موقفه الفني والتزامه ،
ويمهد امام من سيشاهد لوحانه طريق اتفهم ما رمى اليه في كل لوحة وما قصده من كل خط . ولقد حدد عبد دور الفنان الاصيل الذي من
واجبه ان يسخر جهوده الخدمة قضية الشعب ، لا ان يعيش بعيدا عنه في مرسم جميل نظيف ليعرض لوحاته في المعارض التي لا يزورها
الا قلة من الناس ، بل انه تمنى ان يستطيع يوما أن يتجول بلوحاته على قرانا كلها في معرض محمول ، لانه ليس احوج الى مثل هذا الفن من
جماهير الشعب ، وليس احوج الى راي الجماهير الفني ونقدها المباشر من الفنان الاصيل . ولقد آثار الحاضرون قضية المدارس الغنية وطابع الفنان الخاص فاجاب عبد على ذلك اجابات مختصرة على قدر ما سمح به الوقت لان شرح الفروقات بين المدارس الفنية يحتاج الى محاضرة طويلة … لكن النقاش ظل مستمرا عندما شرع الناس يستعرضون اللوحات ويتدارسونها ،ولم « يوفر » الشباب عبد عابدي في أثناء ذلك فأكثروا من الاسئلة ومن
عرض وجهات النظر ، وأجزل هو في الاجابة ، فكان ذلك خير عرض الافكار اللوحات ولربط الفكرة بالتعبير الفني . ويلاحظ المشاهد بوضوح كامل ان اداة عبد الغنية الأولى هي الرسم على طريقة الاسود – ابيض ، از يجد فيها امكانية اكبر في قوة التأثير وفي التركيز الفني على التفاصيل
القوية الايحاء بحيث يصبح مسار الخط في أنسيابه قريب الشبه بحركة السلم الموسيقي . وفي رأي النقاد يغدو هذا الاسلوب خير وسيلة يتصل
الفنان بواسطتها بجماهيره التي يؤمن بها اذ يسهل طبع الصور فيها باعداد مناسبة فتنشر المجموعات منها في البومات توزع على جماهير الشعب
فتعم الرسالة ولا تنحصر في اطار الصورة الواحدة الفريدة ولطنا تذكر ان هذا اللون الغني غدا مدرسة مستقلة بادر عبد عابدي الى التعامل معها فاكتسبت مقومات خاصة ذات طابع محلي واضح تتجاوب معها الجماهير وترى فيها أسلوبا يعبر عن قضيتها بثقة .
وكذلك فان الشمولية او الوضع الانساني العام الذي قد يتناوله الفنان من الممكن ان يتسق مع اوضاع أخرى يصلح لها هذا التعبير
كفن الحفر على الخشب في امريكااللاتينية وبالتحديد فن كيتا کولوفيتس الالماني والفنان ( ابارلاخ ).
الا ان ذلك لم يمنع عبد عابدي من ان يقدم لوحات زيتية برزت منها اثنتان : الأولى المدينة شفاعمرو فيدخلك اليها على طريق واسع حي
بألوانه الجانبية النفرة الى انحناءة صاعدة نحو داخل البلد حيث تخبو الالوان قليلا فيمر بك بين مئذنة الجامع وصليب قبة الكنيسة .
واللوحة الثانية كانت بالوان حصادها الذهبية البارزة وطيارتها الملونة تذكرة لمن وعى من أهالي شفاعمرو أيام البيادر الصيفية الرائقة
ان الخيط الذي يربط معظم اللوحات بنغم حزين احيانا وقوي ها در احيانا أخرى هو القضية ، ما
كان قديما منها وما استجد بعد سنة. فمن (( اللاجئية في مخيم الشاطيء » و « النوم في العراء » عرب ) و ( موت الطائر » الى المسيح قام » من بين اكواخ المخيمات و ( النبي والقدس »و وداع في الجولان ) . أما اللوحة التي استأثرت باهتمام جميع المشاهدين الذين اجمعوا على تفوقها
فهي ( از عقي ايتها الارض الحبيبة » التي يدافع الفلاحون عنها باصرار يتكشف لعينيك في كل خط فيها .الا ان الطابع العام ليس طابع
الحزن المطلق المستسلم ، انما بواسطة تشابك الخطوط يبرز موقف متحرك من الحدث ، يتعلق برأي ديناميكي في أن التحرك في حصيلته
يخطو الى الاحسن والى الافضل ، وذلك لان عبد يؤمن بمبدأ الحركة الديالكتيكي الذي يقف وراء كل تغيير . أخيرا كان المعرض حدثا في حياة
شفاعمرو اشغل الناس ثلاثة أيام متوالية فزاره طلاب المدرسة الثانوية والتقوا لوحدهم بالفنان وناقشوه وفهموا عنه . ومن اروع ما جرى في
اثناء ذلك هو ما ساله احد الطلاب :لماذا صورت المظلوم وما أبرزت حديث الظالم ؟ » ، كذلك فقد كان المعرض مناسبة لاثارة نقاش حي بين
مختلف الفئات حول دور الفن وأسلوبه والعلاقة بين المضمون والشكل وحول الفنية المباشرة الواضحة أو الفنية التي تعتمد شيئا من الرمزية والايحانية وهي أسئلة ستبقى قائمة ما بقي الشعب وما بقي فنانوه ، وسيبقى الجميع .
