
انتهى المعرض قبل ايام ولما تتلاش في ذاكرتي لوحاته بألوانها ومواضيعها.. ولا احسب عدم التلاشي هذا لصالح اللوحات فحسب بل أعزوه لكون المعرض واللوحات فيه حدثا تمثل في رأينا المتواضع مرحلة مفصلية في ابداعات الفنان عبد عابدي. نقول هذا استنادا الى عنصرين. الأول هو کون التقنيات الفنية لا سيما الألوان التي استخدمها نقلة جمالية واضحة للفنان. واذا كان شدني في هذه التقنيات شيء محدد فهي الألوان المستخدمة التي تضفي على اللوحة سحرا لا يمكنه الا أن يمسك بك ويثبتك لحظات اخرى امام اللوحة ويفرض عليك اسئلة لا حصر لها حول ما فعله مبدعها حتى وصل الى هذا اللون دون غيره او الى هذا التزاوج من الألوان، الى هذه الخلطة المحددة .. اذن فبالنسبة لي شكل اللون عنصرا هاما بعکس حركة انتقالية واضحة عند عابدي.. اما العنصر الثاني فهو مواضيع اللوحات، وقد رأيتها بتجرید تام عن عنوان المعرض، بل رأيتها في سياق معرض سابق للفنان اقيم في قاعة بيت الكرمة وضم مجموعة من لوحات عرضت في معرضه الأخير، وكذلك في سباق اعمال عبد عابدي.. وتشكل اللوحات تطويرا للنزعة الفنية التي رأيتها في المعرض السابق من حيث التقنيات والألوان ومن حيث مواضيع اللوحات.. فاذا كانت اعمال عابدي في معظمها راوحت حتى سنين قليلة مضت في مساحة الهم الفلسطيني وما يمليه على ريشة الفنان، فان لوحاته الأخيرة اخترقت هذه المساحة وشرعت تتحرك في الفضاء الإنساني بكل سعته، وهذا ، يجعل اللوحة اکثر ایحاء واقل تحديدا لزاوية رؤية الرائي.. وقد يكون التحليق في فضاء الهم الانساني بشموليته انطلاقا من الهم الذاتي او الجماعي، فرض على الفنان استخدام تقنيات جمالية جديدة ويأخذني قولي هذا الى التطور الحاصل في الابداع الشعري فغالبية الشعراء الكبار الذين عبروا عن الهم الفلسطيني في نصائدهم انتقلوا الى التعبير عن الهم الإنساني في ما اطلق عليه القصيدة الشاملة، وقد الزمهم ذلك توظيف تقنيات جديدة، ومنهم من افلح ومنهم من اخفق. الا ان الفنان عبد عابدي تجاوز مرحلة الانتقال من خلال تقديم الاجمل وهذا الأجمل ما رأيته في معرضه الأخير.
