ولد الفنان عبد عابدي عام 1942 في مدينة حيفا، جذوره راسخة جليا في هذه المدينة القريبة إلى فؤاده، لقد حاول طول الوقت التأكيد على انتمائه لهذه المدينة. وقد أشار إلى أن: ” الانتماء للمكان والحي الذي ترعرع به الإنسان ضرورة، كون الزمان والمكان ضرورة، أنا انتمي إلى هذه المدينة أبا عن جد، لان جذوري في مدينة حيفا، هذا المكان هو موطني وهنا ترعرعت وهنا أنشأت مدرستي الفنية”.
للفنان عبد عابدي جذور راسخة في مدينة حيفا ذكرها مرات خلال اللقاء ذلك: “من اجل ترسيخ الانتماء” على حد قوله.
عاد بذاكرته إلى عام 48 حين ترك سكان حيفا مدينتهم، وبقي فيها 2800 شخص من أصل 75 ألف شخص، حتى انه هو عانى من مرارة التهجير فترة 3 سنوات، إذ قال: “لقد دفعنا للهرب ولكن والدي قاسم عابدي بقي في حيفا ولم يتنازل عن الخروج منها، بعد 3 سنوات من اللجوء في مخيمات اللاجئين المختلفة رجعنا عام 51 إلى مدينة حيفا”.
لكن بقي أبناء عائلته لاجئون: “منذ ذلك التاريخ يتواجد أبناء عائلتي في العالم العربي ومنهم شقيقتي الموجودة في سوريا بدمشق”.
موهبة عابدي الفنية
يحدث عابدي عن فترة بعد رجوعه إلى حيفا عام 51 ويقول: “هنا طرحت موهبتي الفنية بإلحاح، كوني وجدت التعبير بالأساس المرئي لأني مبتدئ في رؤية الأمور وطرح أسئلة عديدة حول موضوع الهجرة واللجوء وبعد ذلك الحكم العسكري، مع أقلية فلسطينية مهزوزة في حيفا تعد 2500 ساكن، فالأسئلة طرحت علي بإلحاح وحاولت من خلال عملي كولد موهوب أن أعطي الإجابة”.
حصل عبد عابدي عام 64 على منحة دراسية من الحزب الشيوعي الإسرائيلي، حيث سنحت له الفرصة للالتحاق بأحد معاهد ألمانيا الشرقية، وهي “الكلية الأكاديمية للفنون الجميلة” في مدينة دردزن، حيث يقول: “هناك حصلت على تعليمي الفني الإبداعي من خلال الممارسة الفعلية والتعرف على انجازات العالم في موضوع الفنون الألمانية العريقة”.
لقد تأثر من فنانين تشكيليين عالميين، الأمر الذي ترك اثر كبير عليه، وقال في ذلك: ” وبتأثر من فنانين عالميين تشكيليين تركت علي اثر وأعطتني مجال البحث مجددا في إنعاش مدرسة محلية فنية كانت في أعوام مضت خالية من محاولات جماهيرية أو فردية أو مجتمعية أن تساند الفنان المحلي، مع رجوعي عام 71 استطعت أن ابني نواة لمدرسة تشكيلية من خلال إقامة دورات في قرية بديعة اسمها كفر ياسيف، حيث استطعت أن أساهم في بناء مجموعة من الفنانين يعملون اليوم في مجال جمعية اسمها “إبداع” جمعية لتطوير الفنون في الوسط العربي “.
بداية حياته الفنية
لقد واجه عابدي بعض المصاعب في بداية حياته الفنية لافتقار المجتمع إلى فنانين، ولعدم لمعان اسمه حيث قال: ” اعتبر إن الفترة المادية ما زالت مستمرة عمليا، باعتبار انه من الصعب التفرغ كليا لموضوع الفن”.
لكن عابدي استطاع التغلب على ذلك حسب قوله: ” أنا في الواقع استطعت أن أحول أدواتي إلى أدوات مسموعة، حيث اعتبرت نفسي فيما بعد مدرس للفنون وفي الواقع عملت مدرس للفنون الجميلة في الكلية العربية للتربية، الفن كليا كان عملي في الواقع، عمل في اغلبه عمل فني. فقد عملت في الصحف الشيوعية لسنوات عديدة، وفي جريدة الاتحاد، وعملت “كرسام إيضاحي”. كنت رسام الجريدة، كنت ارسم رسومات لقصص تنشر، وكنت ارسم كاريكاتير لفترة معينة تحت اسم مستعار”.
وأضاف قائلا: “من خلال عملي كمدرس للفنون استطعت من خلال تجربتي العملية مع الجانب التاريخي كمدرس لتاريخ الفنون وللممارسة الإبداعية، استطعت أن أحول المبني إلى الجانب ألاستعمالي أكثر من اجل كسب المال لاستمراري كفنان، كذلك فانا هنا من العام 85 في هذا المكان الذي هو بمثابة مرسم، واعتقد إن لدى القليل من الفنانين العرب مرسم أو مشغل، بالإضافة إلى “جاليرية” حيث أرعاها بظروف ليست جيدة”.
واستمر قائلا: “اعتقد إني استطعت التواصل وان لا أتوقف عن مسيرتي الفنية وعن مسعاي في إقامة نواة جيدة تتشكل من فنانين شباب والعمل ما بين مع جيل مبكر من الأطفال وإعطائهم الفرصة للانفتاح على عالم الفنون”.
وعن السبب الذي غير مجرى حياته ودفع به إلى الإمام قال: “اعتقد انه بالنسبة لي كانت هناك قفزة هامة في تسجيلي التاريخي، أولا: موضوع يوم الأرض في عام 76، بدون شك كان تحول إبداعي بالنسبة لي، حيث استطعت أؤرخ الحدث من خلال نصب تذكاري أقيم في سخنين وموجود في المقبرة الإسلامية”.
وتابع قائلا: “أتصور إن لهذا الحدث مركبات مختلفة، المركب الأول حاولت إبداعيا أن أجسد الحدث من خلال نصب تذكاري يقام لأول مرة في حياة الجماهير العربية، لأول مرة في تاريخ فلسطين إقامة نصب تذكاري يخلد شهدائه”.
وأضاف قائلا: “مع إقامة النصب التذكاري كانت هناك قفزة نوعية، قفزة بها تسجيل للتاريخ من خلال عمل إبداعي. وأمر آخر هو أنني فتحت الباب أمام آخرين، لأن الفن قد يكون في متناول اليد وان يسد حاجة معينة بدلا عن المتحف، كذلك الأعمال التي شاركت فيها في مخيم العمل التطوعي في الناصرة في الأعوام 78، 79، 80 وهي أن تحول الفن الإبداعي إلى أداة بيد الناس والجماهير، بحيث أن كل واحد يستطيع أن يعبر عن نفسه من خلال العمل الإبداعي”.
واستمر قائلا: “اعتبر إني ما زلت في وسط الطريق في طرح موضوع الإبداع الفني الذي هو وسيلة من وسائل الفنون السمعية والبصرية والموسيقية وغيرها في خدمة الجانب الروحي لنجابه تحديات العصر”.
فترة الجداريات
يحدث عابدي عن الجداريات ويقول: “رأيت في عمل الجداريات، منها: أنصاب تذكارية ومنها مجسمات إبداعية في داخل بعض المدارس الإبداعية، محاولة من اجل تشجيع الذاكرة الفردية والجماعية الموجودة عند الناس، لان الفن ليس وسيلة فردية شخصية وإنما ملك لمجتمع، وان التاريخ المسجل هو تاريخ مرئي”.
وتابع حديثه قائلا: “اليوم اعتمد على وسائل أخرى لنقل الرسالة، اقل منها من ما كان عليه في عمل الجداريات، لأنها كانت بالنسبة لي مرحلة هامة. أن آتي بالعرض للشارع إلى الساحة إلى الميدان. الآن من خلال عملي كمدرس للفنون التشكيلية وكمحاضر وكرجل صاحب اهتمامات اجتماعية (حيث اشغل منذ أربع سنوات رئيسا لمجلس مسرح الميدان، ورئيس جمعية باسم “عربل” تعمل على تطوير الفنون في المجتمع العربي وخاصة بحيفا)، لذلك كتعويض على عمل الجداريات رأيت أن نفتح المجال أمام مبدعينا وان افتح المجال أمام الأهالي والأشخاص للنشاطات الإبداعية”.
حول تأثره بفنانين عالميين
طبعا خلال دراسته في ألمانيا الشرقية، تأثر عابدي من الفنانين التشكيليين العالميين وذلك ترك أثرا ملحوظ على لوحاته وبخصوص ذلك قال: “لقد ترك اثر بالغ علي خاصة أولئك الأشخاص الذين طرحوا موضوع التهجير وموضوع الهم والمأساة المحلية التي حلت بألمانيا نتيجة للحروب، حيث عبر الفنانين عن مشاعر شعوبهم، وأنا استفدت من التجربة الإنسانية التي خاضوها الفنانين في عصور مختلفة من العصور الوسطى. ذلك اثر في نشوء بدائي لفن فلسطيني والذي تجسد في أعمال إسماعيل شموط وإبراهيم هزيمة وفنانين فلسطينيين آخرين عاشوا في المهجر وفي غزة وفي العالم العربي كل هؤلاء تركوا اثر بالغ على عملي فيما بعد“.